للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بُقُولٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قِيلَ: الْأَمْرُ: اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ، أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ، لَاسْتَقَامَ أَيْضًا لِأَنَّ مَا قَامَ مَقَامَ الْقَوْلِ، يَتَنَاوَلُ الْإِشَارَةَ وَالرَّمْزَ، وَنَحْوَهُمَا مِمَّا يَكُونُ بِهِ الْأَمْرُ.

قُلْتُ: وَقَدْ يُعْتَذَرُ عَنْ هَذَا ; بِأَنَّ التَّعْرِيفَ هَاهُنَا لِلْأَمْرِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْقَوْلِ، بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ. فَأَمَّا الِاسْتِدْعَاءُ الْحَاصِلُ بِغَيْرِ الْقَوْلِ الصَّرِيحِ ; فَهُوَ أَمْرٌ مَجَازِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ ; لِأَنَّ الطَّلَبَ مِنْ لَوَازِمِ الْأَمْرِ الْحَقِيقِيِّ، وَالصِّيغَةُ مِنْ لَوَازِمِ الطَّلَبِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ حَقِيقَةٌ فِي الْعِبَادَاتِ اللِّسَانِيَّةِ، لَا فِي الْمَعَانِي النَّفْسَانِيَّةِ.

قَوْلُهُ: «وَلَمْ تَشْتَرِطِ الْمُعْتَزِلَةُ الِاسْتِعْلَاءَ» إِلَى آخِرِهِ، أَيْ أَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ شَرْطٌ فِي كَوْنِ اسْتِدْعَاءِ الْفِعْلِ أَمْرًا، كَمَا سَبَقَ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشُّعَرَاءِ: ٣٤، ٣٥] ; فَجَعَلَ الْقَوْلَ الصَّادِرَ مِنْهُمْ إِلَيْهِ أَمْرًا، مَعَ كَوْنِهِ هُوَ أَعْلَى مِنْهُمْ ; فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا هُمْ أَعْلَى مِنْهُ، وَلَمْ يَكُونُوا لِيُخَاطِبُوهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ إِلَهًا وَرَبًّا، وَلَوْ كَانَ الِاسْتِعْلَاءُ شَرْطًا فِي الْأَمْرِ، لَمَا صَحَّ قَوْلُهُ لَهُمْ: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>