للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان يقول بالتوحيد غير أنه كان يزعم أن الله عز وجل أحدث جوهرين متضادين لا من شيء، ثم إنه بنى العالم هذه البنية منهما، وكان يقول: إن العالم حديث العين والصنعة لا محدث له ولجميع ما فيه إلا الله تعالى وحده، كان يزعم أن الله عز وجل سيعيد كل شيء مما خلق على هذه الصنعة الى الجوهرين المتضادين، أو قال:

الأصلين الحديثين لا من شيء قبل أن تفنى الأعيان جميعا، وكان يذهب الى أن المعارف واقعة بقدر الفكر والبحث والاستدلال طباعا، وكان يقول: إن الله عز وجل لم يزل موصوفا بالحي، «وإنه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار» (١) وكان يذهب الى أن الحوادث كلها خيرها وشرها مذ برأ الله العالم والى أن يبيده فلكية على مذهب الزيدية، وكان يتشيع لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يكن يتنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من أمهات المؤمنين رحمهن الله، ولم يكن يرى الخروج على السلطان، ولا يرى الجدل والمراء في الدين، وكان يذهب الى خلع الدنيا والزهد فيها والتصوف والقناعة، وكان يقول: الاستطاعة مع (١٥٢ - ظ‍) الفعل، وإن الله عز وجل قضى السيئات والحسنات.

وقال: كانت لأبي جارة تشرف على سطحه، فرأته ليلة يقنت، فروت عنه أنه يكلم القمر، واتصل الخبر بحمدويه (٢) صاحب الزنادقة، فصار الى منزلها وبات وأشرف على أبي العتاهية فرآه يصلي، فلم يزل يرقبه حتى قنت وصار الى مضجعه، فانصرف حمدويه خاسئا.

قال المرزباني: أخبرني محمد يحيى قال: حدثنا أبو ذكوان قال: حدثنا العباس بن رستم قال: كان حمدويه صاحب الزنادقة أراد أن يأخذ أبا العتاهية ففزع من ذلك فجلس حجاما.

قال المرزباني: أخبرني الصولي قال: حدثني عون بن محمد قال: سمعت العباس بن رستم يقول: كان أبو العتاهية مذبذبا في مذهبه، يعتقد شيئا، فإذا سمع طاعنا عليه ترك اعتقاده وأخذ غيره، قال: وشعره يدلك على ذلك.


(١) - سورة الانعام-الآية:١٠٣.
(٢) -اهتم خلفاء بني العباس منذ أيام المهدي اهتماما شديدا بملاحقة الزنادقة (أتباع ديانة ماني) وعينوا موظفين لملاحقتهم والنظر في أمورهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>