للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال لي: قدم شيخ الشيوخ صدر الدين الينا، الى حران، وكان من عادته أن لا يأكل من وقف الخوانك (١) شيئا أصلا، فقال لي: اطبخ لنا أرزا ودفع اليّ ما أطبخه به، قال: فلما أردت الطبخ أفكرت في ماء نهر جلاب، وهو نهر بحران، وهو عكر من التراب الاحمر، ولا يصفو الا اذا وضع في الاناء، ورست فيه الطين، فقلت:

هذا أرز وأطبخه بهذا الماء يجيء أحمر اللون، فعدت الى نفسي وقلت: آخذ من ماء الصهريج الذي في الخانكاه، ثم أفكرت في أن الشيخ لا يتناول شيئا من وقف الخانكاه، ثم قلت للشافعي وجه في أن الماء لا يملك بحال، وهو على الاباحة، فأخذت منه وطبخت فلما استوى أتيته به وقدمته بين يديه، فنظر فيه، وأنكره وقال:

من أي ماء طبخت هذا الارز؟ فقلت من ماء الصهريج الذي للخانكاه، فقال: وما عرفت عادتي فقلت فلنا وجه في أن الماء مباح، وأنه لا يملك، فقال لي: وتعلمني الفقه أيضا ارفعه الى الصوفية، فأخذته وجئت به الصوفية ولم يأكل منه شيئا، وقال لي:

ارتد لنا جبنا ولبنا وما أشبه ذلك، فجئته بما طلب، فأكل منه، ولم يأكل من الارز رحمه الله.

توفي شيخنا شيخ الشيوخ أبو الحسن بالموصل في العشر الآخر من جمادي الاولى سنة سبع عشرة وستمائة بالموصل، وكان بها رسولا، وبلغنا خبر (٥٦ - و) وفاته الى حلب، فعمل له العزاء بالمدرسة النورية المعروفة ببني أبي عصرون، وتولى ذلك شهاب الدين عبد السلام بن المطهر بن عبد الله بن أبي عصرون مدرسها لمصاهرة كانت بينهما، ولما قدمت الموصل رسولا في بعض السنين زرت قبر قضيب البان ظاهر الموصل وشيخ الشيوخ في تربة قضيب البان، وهو مدفون الى جانبه، وقرأت على الرقعة التي على قبره تاريخ وفاته رحمه الله.

[أبو الحسن بن محمد بن محمد بن يوسف البخاري]

ابن أبي ذر قاضي القضاة بخراسان، وكان عابدا زاهدا سائحا قدم طرسوس للتعبد بها.

وذكره الحافظ‍ أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور في ترجمة أبيه أبي ذر


(١) جمع خانكاه أو خانقاه، أي تكية أو رباط‍.

<<  <  ج: ص:  >  >>