للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَبِلَهُ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، إِذْ يَلْزَمُ مِنْهُ هَدْمُ مَا بَنَاهُ الْمُسْتَدِلُّ لِمُقَاوَمَةِ دَلِيلِهِ لِدَلِيلِهِ، وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي سُلُوكِ طُرُقِ الْهَدْمِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا فِي الْهَدْمِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هَادِمٌ سِوَاهُ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لَبَطَلَ مَقْصُودُ الْمُنَاظَرَةِ، وَاخْتَلَّتْ فَائِدَةُ الْبَحْثِ وَالِاجْتِهَادِ.

وَالْوَجْهُ فِي جَوَابِهِ عِنْدَ تَوَجُّهِهِ أَنْ يَقْدَحَ فِيهِ الْمُسْتَدِلُّ بِكُلِّ مَا لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَقْدَحَ بِهِ فِيهِ، أَنْ لَوْ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ مُتَمَسِّكًا بِهِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ دَفْعِهِ بِالتَّرْجِيحِ.

فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ اعْتِمَادًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ - وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ - فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ اعْتِرَاضًا.

وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ مَهْمَا تَرَجَّحَ مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ الْآتِيَةِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِ مُتَعَيَّنًا.

وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَذْكُرَ فِي دَلِيلِهِ مَا يُومِئُ إِلَى التَّرْجِيحِ؟

مِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهُ لِتَوَقُّفِ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ فَكَانَ مِنَ الدَّلِيلِ، فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ أَوَّلًا، بَلْ لِبَعْضِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُوجِبْهُ؛ لِمَا فِي التَّكْلِيفِ بِهِ مِنَ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ.

وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا بِهِ التَّرْجِيحُ يَرْجِعُ إِلَى الْعِلَّةِ بِأَنْ يَكُونَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِهَا أَوْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ: فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الدَّلِيلِ أَوَّلًا لِيَكُونَ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ عَنِ الدَّلِيلِ وَقَدْ أَتَى بِمُسَمَّاهُ حَقِيقَةً، وَالتَّرْجِيحُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنِ الدَّلِيلِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ وُرُودِ الْمُعَارَضَةِ، فَذِكْرُهُ بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ إِعْمَالُ الدَّلِيلِ بِدَفْعِ الْمُعَارِضِ (١) لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الدَّلِيلِ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَاكِرًا لِلدَّلِيلِ أَوَّلًا.


(١) " وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ إِعْمَالُ الدَّلِيلِ " فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْأَصْلُ وَإِنْ تَوَقَّفَ إِعْمَالُ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ بِدَفْعِ الْمُعَارِضِ لَا يُوجِبُ. . . . إِلَخْ، وَإِنَّ وَاسْمُهَا وَخَبَرُهَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُؤَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ عَنِ الدَّلِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>