للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِطْعَةً مِنَ التَّوْرَاةِ يَنْظُرُ فِيهَا فَغَضِبَ وَقَالَ: أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، لَوْ أَدْرَكَنِي أَخِي مُوسَى لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» . (١) أَخْبَرَ بِأَنَّ مُوسَى لَوْ كَانَ حَيًّا لَمَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعُهُ، فَلَأَنْ لَا يَكُونَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَّبِعًا لِمُوسَى بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْلَى، وَرُبَّمَا عُورِضَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} وَالشِّرْعَةُ: الشَّرِيعَةُ، وَالْمِنْهَاجُ: الطَّرِيقُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اتِّبَاعِ الْأَخِيرِ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ; لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تُضَافُ إِلَّا إِلَى مَنِ اخْتُصَّ بِهَا دُونَ التَّابِعِ لَهَا، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّ الشَّرَائِعَ وَإِنِ اشْتَرَكَتْ فِي شَيْءٍ فَمُخْتَلِفَةٌ فِي أَشْيَاءَ، وَبِاعْتِبَارِ مَا بِهِ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهَا كَانَتْ شَرَائِعَ مُخْتَلِفَةً، وَذَلِكَ كَمَا يُقَالُ: لِكُلِّ إِمَامٍ مَذْهَبٌ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ، وَإِنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ بَيْنَهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا.

وَرُبَّمَا أَوْرَدَ النُّفَاةُ فِي ذَلِكَ طُرُقًا أُخْرَى شَتًّى ضَعِيفَةً، آثَرْنَا الْإِعْرَاضَ عَنْ ذِكْرِهَا.

وَكَمَا أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبَّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ تَقَدَّمَ إِلَّا بِوَحْيٍ مُجَدَّدٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ بَعْثَتِهِ عَلَى مَا كَانَ قَوْمُهُ عَلَيْهِ، بَلْ كَانَ مُتَجَنِّبًا لِأَصْنَامِهِمْ مُعْرِضًا عَنْ أَزْلَامِهِمْ، وَلَا يَأْكُلُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ عَلَى النُّصُبِ (٢) ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.

وَمِنَ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ وَهُوَ بَعِيدٌ.


(١) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَرَأَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَغَضِبَ وَقَالَ: أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا ابْنَ الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتُكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فَتُصَدِّقُوا بِهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي ". انْظُرْ طُرُقَ الْحَدِيثِ وَاخْتِلَافَ مَتْنِهِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَفِي بَابِ وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْ مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ.
(٢) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ تَتِمَّةٌ لِبَيَانِ حَالِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>