للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ الْمُكَلَّفَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَنَّهُ يَمُوتُ بِتَقْدِيرِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَأَخَّرَهُ هل يكون عاصيا]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ

اتَّفَقَ الْكُلُّ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ عَلَى أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمُوتُ بِتَقْدِيرِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ فَأَخَّرَهُ أَنَّهُ يَعْصِي وَإِنْ لَمْ يَمُتْ، وَاخْتَلَفُوا فِي فِعْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ: هَلْ يَكُونُ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً؟ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إِلَى كَوْنِهِ قَضَاءً، وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ.

حُجَّةُ الْقَاضِي أَنَّ الْوَقْتَ صَارَ مُقَدَّرًا مُضَيَّقًا بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلِذَلِكَ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ عَنْهُ، فَإِذَا فَعَلَ الْوَاجِبَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَهُ خَارِجَ وَقْتِهِ فَكَانَ قَضَاءً كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْفَائِتَةِ فِي أَوْقَاتِهَا الْمُقَدَّرَةِ الْمَحْدُودَةِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: غَايَةُ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِصْيَانَ بِالتَّأْخِيرِ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي ظَنَّ حَيَاتَهُ فِيهِ دُونَ مَا بَعْدَهُ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَضْيِيقُ الْوَقْتِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ فِعْلُهُ لِلْوَاجِبِ فِيهِ قَضَاءً، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَعْلِ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ مُوجِبًا لِلْعِصْيَانِ بِالتَّأْخِيرِ مُخَالَفَةُ هَذَا الْأَصْلِ أَيْضًا، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عِصْيَانِ الْمُكَلَّفِ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ عَلَى الْفِعْلِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ قَضَاءً، وَهُوَ فِي غَايَةِ الِاتِّجَاهِ.

[الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ الْوَاجِبَ إِذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ وَفُعِلَ بَعْدَهُ يَكُونُ قَضَاءً]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ

اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ إِذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي وَقْتِهِ الْمُقَدَّرِ وَفُعِلَ بَعْدَهُ، أَنَّهُ يَكُونُ قَضَاءً، وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ فِي وَقْتِهِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. (١) وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبُ وُجُوبِهِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُقَدَّرَةِ فَفِعْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ قَضَاءً لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، كَفَوَائِتِ الصَّلَوَاتِ فِي حَالَةِ الصَّبِيِّ وَالْجُنُونِ.


(١) خَالَفَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ فِعْلِهِ بَعْدَ وَقْتِهِ إِذَا أَخَّرَهُ عَمْدًا، كَمَا خَالَفَ بَعْضُهُمْ فِي تَسْمِيَتِهِ قَضَاءً فِي حَالَةِ التَّأْخِيرِ لِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ، وَالْخَطْبُ فِي الثَّانِي سَهْلٌ ; لِكَوْنِهِ اخْتِلَافًا فِي التَّسْمِيَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>