للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنِ الْخَامِسَةِ: أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُجُوبِ اعْتِبَارِ الْمَصَالِحِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى مَا عَرَفْنَاهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ إِلْهَامِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ بِالصَّوَابِ فِيمَا يُجْتَهَدُ فِيهِ مِنَ الْحَوَادِثِ، كَيْفَ وَأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقَضٌ بِتَعَبُّدِ غَيْرِهِ بِالِاجْتِهَادِ.

وَعَنِ السَّادِسَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهَا تَمْثِيلٌ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ صَحِيحٍ، فَلَا تَكُونُ حُجَّةً.

الثَّانِي: الْفَرْقُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِخْبَارَ بِمَا لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ صَادِقًا قَدْ لَا نَأْمَنُ فِيهِ الْكَذِبَ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فَعَلَى قَوْلِنَا بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، فَالنَّبِيُّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُصِيبًا، وَالْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْحُكْمُ عِنْدَ اللَّهِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ مَا أَدَّى إِلَيْهِ نَظَرُ الْمُجْتَهِدِ (١) عَلَى مَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ. (٢) الثَّالِثُ: أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقَضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ إِذَا كَانَ عَنِ اجْتِهَادٍ.

وَعَنِ السَّابِعَةِ: أَنَّهَا أَيْضًا تَمْثِيلٌ مِنْ غَيْرِ جَامِعٍ صَحِيحٍ، كَيْفَ وَأَنَّا لَا نَمْنَعُ مِنْ إِرْسَالِ رَسُولٍ بِمَا وَصَفُوهُ لَا عَقْلًا وَلَا شَرْعًا، فَإِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْمَصَالِحَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي أَفْعَالِهِ تَعَالَى. (٣) وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْلِمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَصْلَحَةَ لِلْمُكَلَّفِينَ فِي إِرْسَالِ رَسُولٍ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَيَعْصِمُهُ عَنِ الْخَطَإِ فِي اجْتِهَادِهِ، كَمَا فِي إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ. (٤) وَعَنِ الثَّامِنَةِ: أَنَّ التُّهْمَةَ مَنْفِيَّةٌ عَنْهُ فِي وَضْعِ الشَّرِيعَةِ بِرَأْيِهِ بِمَا دَلَّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ تَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ بِجِهَةِ الرِّسَالَةِ مِنَ الْمُعْجِزَةِ الْقَاطِعَةِ.

وَعَنِ التَّاسِعَةِ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ اجْتِهَادٍ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عُرْضَةٌ لِلْخَطَإِ،


(١) انْظُرْ ص ١٥ - ٣٩ ج٢٠ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى لِابْنِ تَيْمِيَةَ.
(٢) سَيُفَصَّلُ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ.
(٣) سَبَقَ مَا فِيهِ تَعْلِيقًا أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، ثُمَّ كَيْفَ يَتَأَتَّى الِاجْتِهَادُ إِذَا كَانَتِ الْمَصَالِحُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ، وَمَبْنَى النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ إِنَّمَا هُوَ الْمَصَالِحُ.
(٤) وَأَيْضًا يُقَالُ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَاللَّهُ لَا يُقِرُّهُ عَلَى خَطَئِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>