للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: الْمَوْجُودُ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَادِرٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ بِالنَّصِّ وَبِالرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْقَادِرُ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى الْحُكْمِ عَلَى وَجْهٍ يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ إِذَا عَدَلَ إِلَى الِاجْتِهَادِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ كَانَ قَبِيحًا، وَالْقَبِيحُ لَا يَكُونُ جَائِزًا.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالرَّأْيِ فِي حَضْرَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَابِ التَّعَاطِي وَالِافْتِيَاتِ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ قَبِيحٌ فَلَا يَكُونُ جَائِزًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ عِنْدَ وُقُوعِ الْحَوَادِثِ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَوْ كَانَ الِاجْتِهَادُ جَائِزًا لَهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا إِلَيْهِ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ أَدِلَّةِ الْوُقُوعِ، فَهِيَ أَخْبَارُ آحَادٍ لَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ.

وَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً، فَلَعَلَّهَا خَاصَّةً بِمَنْ وَرَدَتْ فِي حَقِّهِ غَيْرَ عَامَّةٍ.

وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ مَا مَرَّ فِي جَوَازِ اجْتِهَادِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ امْتِثَالِ أَمْرِهِ لَا مِنْ بَابِ التَّعَاطِي وَالِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ.

وَعَنْ قَوْلِهِمْ: " إِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ فِي أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ " يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ فِيهِ وَجْهُ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ ظَهَرَ غَيْرَ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى مَقْصُودِهِ بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْعُدُولُ عَنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الِاجْتِهَادُ طَرِيقًا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْحُكْمِ فَالرُّجُوعُ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْضًا طَرِيقٌ آخَرُ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمَذْكُورَةَ فِي ذَلِكَ أَخْبَارُ آحَادٍ، فَهُوَ كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ الْمُدَّعَى إِنَّمَا هُوَ حُصُولُ الظَّنِّ بِذَلِكَ دُونَ الْقَطْعِ.

قَوْلُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِمَنْ وَرَدَتْ تِلْكَ الْأَخْبَارُ فِي حَقِّهِ.

قُلْنَا: الْمَقْصُودُ مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ إِنَّمَا هُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّنْ عَاصَرَهُ لَا بَيَانُ وُقُوعِ الِاجْتِهَادِ مِنْ كُلِّ مَنْ عَاصَرَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>