للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَعْثَةِ وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ اتِّبَاعُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إِقَامَةً لِمَصَالِحِ الْخَلْقِ، فَلَوْ جَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِي حُكْمِهِ لَأَوْجَبَ ذَلِكَ التَّرَدُّدَ فِي قَوْلِهِ وَالشَّكَّ فِي حُكْمِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْبَعْثَةِ وَهُوَ مُحَالٌ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْإِشْكَالِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ أَمْرُ الشَّارِعِ لِلْعَامِّيِّ بِاتِّبَاعِ قَوْلِ الْمُفْتِي مَعَ جَوَازِ خَطَئِهِ، فَمَا هُوَ جَوَابٌ لَهُمْ فِي صُورَةِ الْإِلْزَامِ فَهُوَ جَوَابٌ لَنَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.

وَعَنِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي: أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ مَنَعَ مِنْ تَصَوُّرِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنِ الِاجْتِهَادِ فَضْلًا عَنْ وُقُوعِهِ وَامْتِنَاعِ الْخَطَأِ فِيهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ وَجَوَّزَ مَعَ ذَلِكَ مُخَالَفَتَهُ لِإِمْكَانِ الْخَطَإِ فِيهِ، كَمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ.

وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنِ الِاجْتِهَادِ وَامْتِنَاعِ الْخَطَإِ فِيهِ، فَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عُلُوُّ رُتْبَةِ الْأُمَّةِ عَلَى رُتْبَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَ اخْتِصَاصِهِ بِالرِّسَالَةِ وَكَوْنِ عِصْمَةِ الْإِجْمَاعِ مُسْتَفَادَةً مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنَّهُ الشَّارِعُ الْمُتَّبَعُ، وَأَهْلُ الْإِجْمَاعِ مُتَّبِعُونَ لَهُ وَمَأْمُورُونَ بِأَوَامِرِهِ وَمَنْهِيُّونَ بِنَوَاهِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ بِالْعَكْسِ.

وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَعْثَةِ إِنَّمَا هُوَ تَبْلِيغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيَهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ إِظْهَارُ صِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنَ الرِّسَالَةِ وَالتَّبْلِيغِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ خَطَؤُهُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا كَذَلِكَ مَا يَحْكُمُ بِهِ عَنِ اجْتِهَادِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ مَا يَقُولُهُ فِيهِ عَنْ وَحْيٍ وَلَا بِطْرِيقِ التَّبْلِيغِ، بَلْ حُكْمُهُ فِيهِ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَتَطَرُّقُ الْخَطَإِ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْإِخْلَالَ بِمَعْنَى الْبَعْثَةِ وَالرِّسَالَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>