للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنَ النُّصُوصِ أَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهَا.

فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ» ". (١) وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعُلَمَاءَ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» ". (٢) وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا يُنْسَى» ". (٣) وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ» ". (٤) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ تَبْقَى حُثَالَةٌ كَحُثَالَةِ التَّمْرِ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ» " (٥) ، وَإِذَا تَعَارَضَتِ النُّصُوصُ سَلِمَ لَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ أَوَّلًا. (٦) وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَعْقُولِ فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: مَتَى يَكُونُ التَّفَقُّهُ


(١) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ " وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظٍ: " إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي حِجْرِهَا " وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ.
(٢) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
(٣) رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظٍ: " تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ، فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ، وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الِاثْنَانِ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَجِدَانِ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا ". وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَكُلُّهَا لَا تَخْلُو مِنْ مَطْعَنٍ، انْظُرْ تَلْخِيصَ الْحَبِيرِ.
(٤) رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالَ: فَمَنْ؟ "
(٥) أَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ.
(٦) هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَا يُعَارِضُ أَدِلَّةَ الْمُخَالِفِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ حَتَّى يَنْهَضَ لِمُعَارَضَةِ الْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ، أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: فَالْغُرْبَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَنْ يُدَافِعُ عَنِ الْحَقِّ مِمَّنْ لَا تَقُومُ بِهِمُ الْحُجَّةُ، وَرُبَّمَا أَشْعَرَتْ بِوُجُودِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ: " فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. . . إِلَخْ ". وَأَمَّا الثَّانِي: فَيُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ إِرْسَالِ الرِّيحِ اللَّيِّنَةِ الَّتِي يُقْبَضُ عِنْدَهَا رُوحُ كُلِّ مُؤْمِنٍ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ. وَأَمَّا الرَّابِعُ: فَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنِ اتِّبَاعِهِمْ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَقَدْ بَقِيَتْ فِيهِمْ بَقِيَّةٌ عَلَى الدِّينِ الصَّحِيحِ حَتَّى آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ. وَأَمَّا الْخَامِسُ: فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ قَوْلِهِ: ثُمَّ تَبْقَى حُثَالَةٌ. . . إِلَخْ، يُحْمَلُ عَلَى مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الثَّانِي جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَأَمَّا مَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. انْظُرْ تَفْصِيلَ الْقَوْلِ فِي الِاجْتِهَادِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ، وَأَدِلَّةَ الطَّرَفَيْنِ فِي انْقِطَاعِ الِاجْتِهَادِ الْخَاصِّ أَوَّلَ كِتَابِ الِاجْتِهَادِ مِنْ كِتَابِ الْمُوَافَقَاتِ لِلشَّاطِبِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>