للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِلَّا كَانَ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى تَجْوِيزِ الْأَخْذِ بِالْخَطَأِ (١) ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَعَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ جَوَّزَ مِثْلَ هَذَا الِاشْتِرَاطِ فِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ مَعَ أَنَّ الْأُمَّةَ أَطْلَقُوا وَلَمْ يَشْتَرِطُوا؛ لَسَاغَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ إِجْمَاعٍ، وَلَسَاغَ أَنْ تَتَّفِقَ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعُهُمْ مَشْرُوطًا بِأَنْ لَا يَظْهَرَ إِجْمَاعٌ مُخَالِفٌ لَهُ بَلْ وَلَجَازَ لِلْوَاحِدِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ بَعْدِهِمُ الْمُخَالَفَةُ، لِمَا قِيلَ مِنَ الشَّرْطِ وَهُوَ مُحَالٌ ; لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الشَّرْطِ فَهُوَ مُخْطِئٌ آثِمٌ (٢) ، وَبِهِ إِبْطَالُ مَا صَارَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ مِنْ جَوَازِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ.

وَعَنِ السُّؤَالِ الثَّالِثِ أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعَصْرِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مُحَالًا لِنَفْسِ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ لِمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنِ امْتِنَاعِ الْأَخْذِ الْآخَرِ (٣) .

وَعَنِ السُّؤَالِ الرَّابِعِ أَنَّ الِاتِّفَاقَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّفْنِ وَالْإِمَامَةِ وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَاسْتِمْرَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى الْجَزْمِ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ الْخِلَافُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي حَالَةِ الْبَحْثِ عَمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهِ.

سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ الِاتِّفَاقُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخِلَافِ غَيْرَ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَمَنْ شَرَطَ فِي الْإِجْمَاعِ انْقِرَاضَ عَصْرِ الْمُجْتَهِدِينَ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ رُجُوعِهِمْ أَوْ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَالْخِلَافُ مَعَهُ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمُجْمِعِينَ عَلَى خِلَافِهِمْ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الْأَوَّلِينَ، غَيْرَ أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُخْتَارُ (٤) .


(١) أَجْمَعُوا عَلَى تَجْوِيزِ أَخْذِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ بِاجْتِهَادِهِ لِكَوْنِهِ صَوَابًا فِي نَظَرِهِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فِي نَظَرِ مُخَالِفِيهِ، بَلْ فِي الْوَاقِعِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِمَا هُوَ خَطَأٌ فِي الْوَاقِعِ، بَلْ بِمَا هُوَ خَطَأٌ فِي نَظَرِ بَعْضِهِمْ صَوَابٌ فِي نَظَرِ مُخَالِفِيهِمْ.
(٢) لَا نُسَلِّمُ الْمُلَازَمَةَ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، فَإِنَّ إِجْمَاعَ التَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيِ الصَّحَابَةِ مَثَلًا لَزِمَ مِنْهُ تَخْطِئَةُ بَعْضِ الْأُمَّةِ، وَبَعْضُهُا غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْطِئَةُ كُلِّ الْأُمَّةِ أَوْ جَوَازُ تَخْطِئَتِهَا، وَهِيَ مَعْصُومَةٌ، فَلَا يَصْلُحُ مَا ذَكَرَ إِلَّا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ جَوَّزَ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ إِجْمَاعٍ سَابِقٍ.
(٣) إِنَّمَا جَازَ لَهُمُ الْعَمَلُ بِهِ لِكَوْنِهِ صَوَابًا فِي نَظَرِهِمْ فَلَمَّا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُمْ بِمَا جَدَّ مِنَ الْإِجْمَاعِ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الْعَمَلُ بِهِ.
(٤) لِأَنَّهُ اخْتَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ ١٦ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ عَلَى تَفْصِيلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>