للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقْتَضَاهُ فَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنَ الْحُكْمِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ وَلِبَاقِي الْأُمَّةِ مَعَهُ وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَيَقْطَعُ بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ مُحَالٌ.

وَإِنْ لَمْ نَمْنَعْهُ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ فَقَدْ حَصَلَ الْوِفَاقُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْخِلَافِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

قُلْنَا: لَوْ ظَهَرَ لَهُ مَا ظَهَرَ لِلْأُمَّةِ فَنَحْنُ لَا نُحِيلُ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ إِلَيْهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ بِاسْتِحَالَةِ ظُهُورِهِ عَلَيْهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ وَهُوَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ مِنْ تَعَارُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ وَلُزُومِ الْخَطَأِ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (١) .

وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَهْلَ الْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُمُ الرَّاجِعُونَ بِأَعْيَانِهِمْ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَالْمُخَالِفُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَأَنَّ الْمُخَالِفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ بَعْضَ الْأُمَّةِ (٢) الْخَائِضِينَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُجْمِعُونَ هُمْ كُلُّ الْأُمَّةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْظَمَ مِنْهُ فِي الْأُولَى.

وَعَلَى هَذَا نَقُولُ إِنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَصْرِ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ وَبَقِيَ الْقِسْمُ الْآخَرُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ إِجْمَاعًا مَانِعًا مِنَ الْأَخْذِ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ، وَالْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِهِ مَا سَبَقَ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ قَوْمٌ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ هَلْ يُمْكِنُ وُجُودُ خَبَرٍ أَوْ دَلِيلٍ وَلَا مَعَارِضَ لَهُ وَتَشْتَرِكُ الْأُمَّةُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ

هَلْ يُمْكِنُ وُجُودُ خَبَرٍ أَوْ دَلِيلٍ وَلَا مَعَارِضَ لَهُ وَتَشْتَرِكُ الْأُمَّةُ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ مَصيِرًا مِنْهُ إِلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ بِالْعَمَلِ (٣) ، بِمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ، فَاشْتِرَاكُهُمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ لَا يَكُونُ خَطَأً فَإِنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَخَطَأُ الْمُكَلَّفِ مِنْ أَوْصَافِ فِعْلِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَالَهُ مَصِيرًا مِنْهُ إِلَى أَنَّهُمْ لَوِ اشْتَرَكُوا فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ، لَكَانَ ذَلِكَ سَبِيلًا لَهُمْ وَلَوَجَبَ عَلَى غَيْرِهِمُ اتِّبَاعُهُ، وَامْتَنَعَ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) الْآيَةَ.


(١) يُرِيدُ بِذَلِكَ دَلِيلَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيقًا الْجَوَابُ عَنْهُ.
(٢) أَنَّ بَعْضَ الْأُمَّةِ. . . إِلَخْ. فِي الْعِبَارَةِ سَقْطٌ، وَالصَّوَابُ فِيهَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْمُجْمِعِينَ بَعْضُ.
(٣) بِالْعَمَلِ صَوَابُهُ: بِالْعِلْمِ، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>