للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ كَاذِبًا؛ وَلَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ عَلَى ذَلِكَ. وَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ صَادِقًا لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ الْخَبَرِ لِلْمُخْبَرِ. وَإِنَّمَا الصَّادِقُ مَا طَابَقَ الْمُخْبَرَ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَالْكَذِبُ مَا لَمْ يُطَابِقِ الْمُخْبَرَ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا جَازَ أَنْ يَفْرِضَ فِي الِاعْتِقَادِ وَاسِطَةً بَيْنَ كَوْنِهِ عِلْمًا أَوْ جَهْلًا، لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ عِلْمًا، وَلَا جَهْلًا مُرَكَّبًا، كَاعْتِقَادِ الْعَامِّيِّ الْمُقَلِّدِ وُجُودَ الْإِلَهِ تَعَالَى، جَازَ أَنْ يُفْرَضَ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ خَبَرٌ لَيْسَ بِصَادِقٍ وَلَا كَاذِبٍ.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ إِنَّمَا حَصَرُوا أَمْرَهُ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالْجِنَّةِ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الدَّلَالَةِ بِهِ عَلَى مَدْلُولِهِ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ خَبَرًا، وَالْمَجْنُونُ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ، فَصَارَ كَالنَّائِمِ وَالسَّاهِي، إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ صِيغَةُ الْخَبَرِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خَبَرًا وَحَيْثُ لَمْ يَعْتَقِدُوا صِدْقَهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا، أَوْ لَا يَكُونُ مَا أَتَى بِهِ خَبَرًا وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهُ صُورَةَ الْخَبَرِ، أَمَّا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا وَلَيْسَ صَادِقًا فِيهِ وَلَا كَاذِبًا؛ فَلَا.

وَعَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَعْقُولِ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ كَوْنِ زَيْدٍ فِي الدَّارِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا وَهُوَ فِيهَا أَنَّ خَبَرُهُ لَا يَكُونُ صَادِقًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ عَلَى الصِّدْقِ.

وَكَذَلِكَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَ بِأَنَّ زَيْدًا فِي الدَّارِ، عَلَى اعْتِقَادِ كَوْنِهِ فِيهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا أَنَّهُ لَيْسَ كَاذِبًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ عَلَى كَذِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ لَيْسَ عَلَى نَفْسِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ لَا غَيْرُ، بَلْ عَلَى الصِّدْقِ مَعَ قَصْدِهِ وَالْكَذِبِ مَعَ قَصْدِهِ؛ وَلِهَذَا فَإِنَّ الْأُمَّةَ حَاكِمَةٌ بِأَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي عُلِمَ مِنْهُ اعْتِقَادُ بُطْلَانِ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَادِقٌ بِإِخْبَارِهِ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ لَمَّا كَانَ خَبَرُهُ مُطَابِقًا لِلْمُخْبَرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقِدًا لِذَلِكَ وَلَا قَاصِدًا لِلصِّدْقِ، وَحَاكِمَةٌ بِكَذِبِهِ فِي إِخْبَارِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا لِمَا أَخْبَرَ بِهِ لَمَّا كَانَ خَبَرُهُ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْمُخْبَرِ.

وَأَمَّا تَخْصِيصُ عُمُومِ خَبَرِ الْقُرْآنِ وَتَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ، فَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ كَذِبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْخَبَرُ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْعُمُومِ وَالْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَصْرُوفٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ إِلَى مَجَازِهِ، وَصَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ أَحَدِ مَدْلُولَيْهِ إِلَى الْآخَرِ لَا يَكُونُ كَذِبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مِنْ قَبِيلِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>