للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمُتَوَاتِرِ]

[مُقَدِّمَةُ فِي بَيَانِ مَعْنَى التَّوَاتُرِ وَالْمُتَوَاتِرِ]

الْبَابُ الثَّانِي

فِي الْمُتَوَاتِرِ

وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَمَسَائِلَ.

أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي بَيَانِ مَعْنَى التَّوَاتُرِ وَالْمُتَوَاتِرِ.

أَمَّا التَّوَاتُرُ فِي اللُّغَةِ، فَعِبَارَةٌ عَنْ تَتَابُعِ أَشْيَاءَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أَيْ: وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ بِمُهْلَةٍ.

وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ بَلَغُوا فِي الْكَثْرَةِ إِلَى حَيْثُ حَصَلَ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ.

وَهُوَ غَلَطٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا هُوَ حَدُّ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، لَا حَدُّ نَفْسِ التَّوَاتُرِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالْمُتَوَاتِرِ. وَإِنَّمَا التَّوَاتُرُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَشَرِّعَةِ؛ عِبَارَةٌ عَنْ تَتَابُعِ الْخَبَرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مُفِيدٍ (١) لِلْعِلْمِ بِمُخْبَرِهِ.

وَأَمَّا الْمُتَوَاتِرُ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَيْضًا: إِنَّهُ الْخَبَرُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِمُخْبَرِهِ، مَانِعٌ لِدُخُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الصَّادِقِ فِيهِ.

كَيْفَ وَفِيهِ زِيَادَةٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: (الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ) فَإِنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ عَنِ الْآخَرِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُتَوَاتِرَ فِي اصْطِلَاحِ الْمُتَشَرِّعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ مُفِيدٍ بِنَفْسِهِ لِلْعِلْمِ بِمُخْبَرِهِ.

فَقَوْلُنَا: (خَبَرِ) كَالْجِنْسِ لِلْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ، وَقَوْلُنَا: (جَمَاعَةٍ) احْتِرَازٌ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، وَقَوْلُنَا: (مُفِيدٍ لِلْعِلْمِ) احْتِرَازٌ عَنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَوَاتِرًا، وَقَوْلُنَا: (بِنَفْسِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ وَافَقَ دَلِيلَ الْعَقْلِ، أَوْ دَلَّ قَوْلُ الصَّادِقِ عَلَى صِدْقِهِمْ، كَمَا سَبَقَ.

وَقَوْلُنَا: (بِمُخْبَرِهِ) احْتِرَازٌ عَنْ خَبَرِ جَمَاعَةٍ أَفَادَ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لَا (بِمُخْبَرِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَوَاتِرًا، وَإِذْ أَتَيْنَا عَلَى بَيَانِ الْمُقَدِّمَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ، وَهِيَ سِتُّ مَسَائِلَ:


(١) " مُفِيدٍ " صَوَابُهُ مُفِيدًا بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ؛ إِذْ لَا يَصْلُحْ صِفَةً لِلْخَبَرِ، وَلَا لِـ " تَتَابُعِ " لِلِاخْتِلَافِ بِالتَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>