للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الْجُمْلَةِ، وَالْجُمْلَةُ لَيْسَتْ جُزْءًا مِنَ الْجُمْلَةِ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ لَبِنَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ دَاخِلَةٍ فِي مُسَمَّى الدَّارِ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْهَا، وَلَيْسَتْ دَارًا، وَالْمُجْتَمِعُ مِنَ الْكُلِّ دَارٌ، وَكَذَلِكَ الْعَشَرَةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَخَمْسَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْخَمْسَتَيْنِ لَيْسَتْ عَشَرَةً، وَالْمَجْمُوعُ مِنْهُمَا عَشَرَةٌ وَنَحْوُهُ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فِي السُّؤَالِ الثَّالِثِ مِنَ الْإِلْزَامِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ فَرْضٌ مُحَالٌ، فَإِنَّهُ مَهْمَا أَخْبَرَ جَمْعٌ بِمَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْعِلْمُ بِالْمُخْبَرِ، فَيَمْتَنِعُ إِخْبَارُ مِثْلِهِمْ فِي الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ بِمَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْإِلْزَامُ الثَّانِي، فَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ قُلْنَا إِنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ مِنْ خَبَرِ كُلِّ جَمَاعَةٍ؛ وَإِنَّ خَبَرَ كُلِّ جَمَاعَةٍ تَوَاتُرٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا دَعْوَانَا أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يَحْصُلُ مِنْ خَبَرِ الْجَمَاعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ كُلِّ جَمَاعَةٍ مُحَصِّلًا لِلْعِلْمِ.

وَأَمَّا الْإِلْزَامُ الثَّالِثُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّوَاتُرَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَحْسُوسَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ، وَالنُّبُوَّةُ حُكْمٌ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ (١) كَيْفَ وَإِنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّ كُلَّ تَوَاتُرٍ يَجِبُ حُصُولُ الْعِلْمِ بِمُخْبَرِهِ مُطْلَقًا لِكُلِّ أَحَدٍ لِتَفَاوُتِ


(١) الْأُمُورُ الَّتِي تَصِلُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا نُقِلَ تَوَاتُرًا مِنْ أَخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَدَعَوْتُهُ النَّاسَ لِاتِّبَاعِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَمِنْهَا مَا نُقِلَ تَوَاتُرًا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْهَا دَلَالَةُ مَا شُوهِدَ أَوْ نُقِلَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَالْأَخْبَارُ فِيهِمَا مُتَوَاتِرَةٌ عَنْ مُحَسَّاتٍ وَمُشَاهَدَاتٍ، وَهِيَ أَقْوَى نَقْلًا وَآكَدُ إِثْبَاتًا لِصُدُورِ مَا تَضَمَّنَتْهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَسَبَتْهُ إِلَيْهِ مِنَ الْخَبَرِ عَنِ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ، وَالْخُلَفَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالْوُجَهَاءِ فِي الْعُصُورِ الْمَاضِيَةِ، وَمِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ شَجَاعَةِ عَلِيٍّ وَكَرَمِ حَاتِمٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الِاسْتِفَاضَةِ وَالتَّوَاتُرِ، فَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَهُوَ إِمَّا مَجْنُونٌ أَوْ مُكَابِرٌ لَا تَصِحُّ مُنَاظَرَتُهُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيَكْفِي بَعْضُ مَا نُقِلَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ فِي إِثْبَاتِ رِسَالَتِهِ يَقِينًا، وَلَوْ بِطْرِيقِ النَّظَرِ، وَإِلَّا مَا قَامَتْ بِذَلِكَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ وَلَا سَقَطَتْ بِهِ مَعَاذِيرُهُ وَلَا اسْتُبِيحَتْ بِهِ دِمَاءُ الْمُخَالِفِينَ وَأَمْوَالُهُمْ، وَلَا كَانَ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ. وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ، بَلِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَمَنْ أَنْكَرَ رِسَالَتَهُ بَعْدَ مُشَاهَدَةِ الْآيَاتِ أَوِ الْبَلَاغِ الصَّحِيحِ فَهُوَ أَيْضًا، إِمَّا مَجْنُونٌ أَوْ مُكَابِرٌ حَسُودٌ أَوْ مُقَلِّدٌ مَخْدُوعٌ غَلَبَهُ عَلَى أَمْرِهِ مَنْ هُمْ فِي نَظَرِهِ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ. وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ مَا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ جَوَابِ الْآمِدِيِّ عَنِ الْإِلْزَامِ الثَّالِثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>