للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ جِهَةٌ فَلَا يَتَوَلَّدُ عَنْهُ الْعِلْمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَلَّدَ عَنْهُ الْعِلْمُ لَتَوَلَّدَ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَذَلِكَ (١) مِمَّا لَا اتِّجَاهَ لَهُ مَعَ مَا عُرِفَ مِنْ مَذَاهِبِ الْخُصُومِ، أَنَّ إِرْعَابَ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ مِمَّا يُوَلِّدُ فِيهِ الْوَجَلَ الْمُوَلِّدَ لِلِاصْفِرَارِ بَعْدَ الِاحْمِرَارِ، وَأَنَّ تَهْجِينَهُ لَهُ مِمَّا يُوَلِّدُ فِيهِ الْخَجَلَ الْمُوَلِّدَ لِلِاحْمِرَارِ بَعْدَ الِاصْفِرَارِ، وَإِنْ كَانَ مَا تَوَلَّدَ عَنِ الْقَوْلِ الْمُرْهِبِ وَالْمُهَجِّنِ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ.

وَالْمُعْتَمَدُ فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا مَا حَقَّقْنَاهُ فِي أَبْكَارِ الْأَفْكَارِ، مِنَ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى امْتِنَاعِ مُوجِدٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مُمْكِنٌ، فَوُجُودُهُ لَيْسَ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى، فَعَلَيْكَ بِاعْتِبَارِهِ وَنَقْلِهِ إِلَى هُنَا.

فَإِنْ قِيلَ: اخْتِيَارُكُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِنَّمَا هُوَ الْوَقْفُ عَنِ الْجَزْمِ بِكَوْنِ الْحَاصِلِ عَنْ خَبَرِ التَّوَاتُرِ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا، وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ هَاهُنَا مِنْ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى يُوجِبُ كَوْنَهُ اضْطِرَارِيًّا لِلْعَبْدِ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ.

كَيْفَ وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى لَأَمْكَنَ حُصُولُهُ عَنْ خَبَرِ الْجَمَاعَةِ الْمَفْرُوضِينَ بِسَبَبِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ، وَأَمْكَنَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِسَبَبِ عَدَمِ خَلْقِهِ.

فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ وَاجِبَ الْحُصُولِ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ بِالِاخْتِيَارِ مُبَاشَرَةً، بَلْ بِالتَّوَلُّدِ عَمَّا هُوَ مُبَاشَرٌ بِالْقُدْرَةِ.

قُلْنَا: أَمَّا التَّنَاقُضُ فَمُنْدَفِعٌ، سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ الْعِلْمَ مُكْتَسَبٌ لِلْعَبْدِ، أَوْ هُوَ حَاصِلٌ لَهُ ضَرُورِيًّا، فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا (٢) .

قَوْلُهُمْ: لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى لَأَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ وَأَنْ لَا يَحْصُلَ.

قُلْنَا: ذَلِكَ مُمْكِنٌ عَقْلًا، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِهِ لِلْعِلْمِ عِنْدَ خَبَرِ التَّوَاتُرِ، كَمَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِالشِّبَعِ عِنْدَ أَكْلِ الْخُبْزِ، وَالرِّيِّ عِنْدَ شُرْبِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ.


(١) وَذَلِكَ. إِلَخْ. جَوَابٌ عَنِ الْمَسْلَكِ الثَّانِي وَبَيَانٌ لِضَعْفِهِ.
(٢) أَيْ: أَصْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ الِاخْتِيَارِيَّةَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ مَكْسُوبَةٌ لِلْعَبْدِ، فَخَلْقُهُ تَعَالَى إِيَّاهَا لَا يُنَافِي كَسْبَ الْعَبْدِ لَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>