للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ سِوَى مَنْ رَآهُ مِنَ النَّفَرِ الْيَسِيرِ (١) .

وَلِهَذَا، فَإِنَّهُ كَمْ مِنْ أَمْرٍ مَهُولٍ يَقَعُ فِي اللَّيْلِ، مِنْ زَلْزَلَةٍ أَوْ صَاعِقَةٍ أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ أَوِ انْقِضَاضِ شِهَابٍ عَظِيمٍ، وَلَا يَشْعُرُ بِهِ سِوَى الْآحَادِ (٢) .

وَهَذَا بِخِلَافِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَدِّدُهُ بَيْنَ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ فِي زَمَانِهِ إِلَّا وَقَدْ عَلِمَهُ وَشَاهَدَهُ.

فَلِذَلِكَ اسْتَحَالَ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى عَدَمِ نَقْلِهِ (٣) .

وَأَمَّا دُخُولُ مَكَّةَ، فَقَدْ نَقَلَهُ الْجَمْعُ الْكَثِيرُ، وَهُوَ مُسْتَفِيضٌ مَشْهُورٌ، أَنَّهُ دَخَلَهَا عَنْوَةً مُتَسَلِّحًا بِالْأَلْوِيَةِ وَالْأَعْلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، مَعَ بَذْلِ الْأَمَانِ لِمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ، وَاعْتَصَمَ بِالْكَعْبَةِ وَدَارِ أَبِي سُفْيَانَ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لَمَّا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِأَدَاءِ دِيَةِ مَنْ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَلَا يَبْعُدُ ظَنُّ ذَلِكَ مِنَ الْآحَادِ.


(١) لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ، فَإِنَّ حَنِينَ الْجِذْعِ كَانَ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ عَظِيمٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَنَبْعَ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِحَضْرَةِ الْجَيْشِ، وَقَدِ انْتَفَعُوا بِالْمَاءِ شُرْبًا وَطَهَارَةً وَتَزَوَّدُوا مِنْهُ، وَزَالَتْ بِهِ شِدَّتُهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ نُقِلَ آحَادًا.
(٢) مَتَّى سَلِمَ أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ، وَأَنَّهُ آيَةٌ قُصِدَ بِهَا إِقَامَةُ الْحُجَّةِ أَوْ تَقْوِيَتُهَا، اسْتَحَالَ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَالنَّاسُ بَيْنَ نَائِمٍ وَغَافِلٍ مُدَّةَ لَمْحِ الْبَصَرِ، دُونَ دَعْوَةٍ لِرُؤْيَتِهِ، وَلَا تَنْبِيهٍ لِمُشَاهَدَتِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ شَاهِدُهُ كَثِيرًا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ نُقِلَ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا، بَلْ مُتَوَاتِرًا مَعْنًى وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ لَفْظًا، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ يُقَالُ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ اسْتَغْنَى بِذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ عَنْ نَقْلِهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنَ الزَّلَازِلِ وَالشُّهُبِ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهُمَا سُنَنٌ كَوْنِيَّةٌ عَامَّةٌ قَدْ صَارَتْ لِكَثْرَتِهَا عَادِيَّةٌ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهَا إِثْبَاتَ رِسَالَةٍ أَوْ تَقْوِيَتَهَا، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ أَمْرُهُمَا عَمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالشَّاذُّ مِنْهَا الَّذِي يَسْتَرْعِي الْأَنْظَارَ قَدْ يُنْقَلُ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا.
(٣) اسْتِحَالَةُ التَّوَاطُؤِ عَلَى عَدَمِ النَّقْلِ تُصَدَّقُ بِالنَّقْلِ تَوَاتُرًا كَالْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ، وَاسْتِفَاضَةً كَمَا فِي فَتْحِ مَكَّةَ عَنْوَةً، وَآحَادًا وَهُوَ كَثِيرٌ حَتَّى فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ؛ إِذِ الْمُسْتَحِيلُ أَلَّا تَنْقُلَهُ أَصْلًا، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>