للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَرْجِيحَاتِ الْقِيَاسِ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَمُنْدَفِعَةٌ.

أَمَّا تَطَرُّقُ احْتِمَالِ الْكَذِبِ وَالْفِسْقِ وَالْخَطَأِ إِلَى الرَّاوِي، وَإِنْ كَانَ مُنْقَدِحًا، فَمِثْلُهُ مُتَطَرِّقٌ إِلَى دَلِيلِ حُكْمِ الْأَصْلِ، إِذَا كَانَ ثَابِتًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ النِّزَاعِ.

وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، فَلَا يَخْفَى أَنَّ تَطَرُّقَ ذَلِكَ إِلَى مَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ وَإِسْلَامُهُ أَبْعَدُ مِنْ تَطْرُّقِ الْخَطَأِ إِلَى الْقِيَاسِ فِي اجْتِهَادِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنِ احْتِمَالَاتِ الْخَطَأِ فِي الْقِيَاسِ، لِكَوْنِهِ مُعَاقَبًا عَلَى الْكَذِبِ وَالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ، بِخِلَافِ الْخَطَأِ فِي الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُعَاقَبٍ عَلَيْهِ، بَلْ مُثَابٍ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَطَرُّقِ التَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ وَالنَّسْخِ إِلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ، فَذَلِكَ مِمَّا لَا يُوجِبُ تَرْجِيحَ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ الظَّاهِرِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ مُتَطَرَّقٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ.

قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْقِيَاسَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْكِتَابِ بِهِ، قُلْنَا وَكَذَلِكَ خَبَرُ الْوَاحِدِ، فَلَا تَرْجِيحَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، كَيْفَ وَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْقِيَاسِ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَطِّلٍ لِلْكِتَابِ، أَنْ يَكُونَ مُعَطِّلًا لِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِالْكُلِّيَّةِ، إِذِ الْكَلَامُ مَفْرُوضٌ فِيمَا إِذَا تَعَارَضَا وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.

وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الظَّنَّ مِنَ الْقِيَاسِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ، قُلْنَا: إِلَّا أَنَّ تَطَرُّقَ الْخَطَأِ إِلَيْهِ أَقْرَبُ مِنْ تَطَرُّقِهِ إِلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.

وَقَوْلُهُمْ إِنَّ الْخَبَرَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ شَرْعِيًّا بِإِكْذَابِ الْمُخْبِرِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ.

قُلْنَا: وَبِتَقْدِيرِ الْخَطَأِ فِي الْقِيَاسِ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قِيَاسِيًّا شَرْعِيًّا فَاسْتَوَيَا، كَيْفَ وَإِنَّ التَّرْجِيحَ لِلْخَبَرِ مِنْ جِهَاتٍ أُخْرَى غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهَا أَوَّلًا، وَهُوَ أَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى كَلَامِ الْمَعْصُومِ، بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقِيَاسَ مُفْتَقِرٌ إِلَى جِنْسِ النَّصِّ فِي إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَفِي كَوْنِهِ حُجَّةً، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إِلَى شَرَفِ الْقِيَاسِ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يَصِيرُ قَطْعِيًّا بِمَا يَعْتَضِدُ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ حَتَّى يَصِيرَ مُتَوَاتِرًا، وَلَا كَذَلِكَ الْقِيَاسُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْقَطْعِ بِمَا يَعْتَضِدُ بِهِ مِنْ جِنْسِ الْأَقْيِسَةِ أَصْلًا، فَكَانَ أَوْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>