للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُعَارَضَةِ الثَّانِيَةِ.

وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ الثَّالِثَةُ، فَقَدْ عُرِفَ جَوَابُهَا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ.

وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ الرَّابِعَةُ، فَجَوَابُهَا بِبَيَانِ فَائِدَةِ ذِكْرِ الرَّاوِي، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ، فَيُعَيِّنُهُ لِيَكِلَ النَّظَرَ فِي أَمْرِهِ إِلَى الْمُجْتَهِدِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا أُرْسِلَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا عُيِّنَ الرَّاوِي، فَالظَّنُّ الْحَاصِلُ لِلْمُجْتَهِدِ بِفَحْصِهِ بِنَفْسِهِ عَنْ حَالِهِ يَكُونُ أَقْوَى مِنَ الظَّنِّ الْحَاصِلِ لَهُ بِفَحْصِ غَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ الْخَامِسَةُ فَمُنْدَفِعَةٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُ مَهْمَا كَانَ الْمُرْسِلُ لِلْخَبَرِ فِي زَمَانِنَا عَدْلًا، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ الْحُفَّاظُ، فَهُوَ حُجَّةٌ.

وَأَمَّا الْمُعَارَضَةُ السَّادِسَةُ، فَإِنَّمَا لَمْ يَصِرِ الْخَبَرُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ مُتَوَاتِرًا ; لِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ يُشْتَرَطُ فِيهِ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْهِ وَوَسَطِهِ، وَالْوَاحِدُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَلَا يَحْصُلُ بِخَبَرِهِ التَّوَاتُرُ.

وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرْسَلَ مَقْبُولٌ مِنَ الْعَدْلِ، فَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَالشَّافِعِيِّ، فَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ إِنَّهُ يَكُونُ مَقْبُولًا إِذَا أَسْنَدَهُ غَيْرُ الْمُرْسِلِ أَوْ أَسْنَدَهُ الْمُرْسِلُ مَرَّةً ; لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْإِسْنَادِ، لَا عَلَى الْإِرْسَالِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: إِنَّهُ يَكُونُ مَقْبُولًا إِذَا أَرْسَلَهُ اثْنَانِ، وَكَانَتْ مَشَايِخُهُمَا مُخْتَلِفَةً ; لِأَنَّ ضَمَّ الْبَاطِلِ إِلَى الْبَاطِلِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْقَبُولِ، وَلَيْسَ بِحَقٍّ ; لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِصِدْقِ الرَّاوِي مِنَ الْإِرْسَالِ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ أَقْوَى مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِهَا.

وَعَلَى هَذَا، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِأَضْعَفِ الظَّنَّيْنِ عَدَمُ الِاحْتِجَاجِ بِأَقْوَاهُمَا، وَإِذَا عُرِفَ الْخَبَرُ الْمَقْبُولُ وَغَيْرُ الْمَقْبُولِ، فَإِذَا تَعَارَضَ خَبَرَانِ مَقْبُولَانِ، فَالْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّرْجِيحِ. وَسَيَأْتِي فِي قَاعِدَةِ التَّرْجِيحَاتِ بِأَقْصَى الْمُمْكِنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>