للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِعْلِهِ، وَالْعِقَابِ بِتَقْدِيرِ تَرْكِهِ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ بِمَا اخْتَصَّ بِهِ الْوُجُوبُ مِنْ زِيَادَةِ الذَّمِّ وَالْوَصْفِ بِالْعِصْيَانِ، بِخِلَافِ الْمَنْدُوبِ، كَيْفَ وَإِنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا نَظَرَ وَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ، فَقَدْ أَمِنَ الضَّرَرَ، وَحَصَلَ مَقْصُودُ الْأَمْرِ.

قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمَنْدُوبَ دَاخِلٌ فِي الْوَاجِبِ، لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.

قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْأَمْرَ مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى، فَكَانَ مَانِعًا مِنْ نَقِيْضِهِ دَعْوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخَبَرِ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ فِي اللُّغَاتِ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِمَا سَبَقَ (١) .

ثُمَّ إِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْأَمْرِ بِالْمَنْدُوبِ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ (٢) .

فَإِنْ قِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَفَةِ الدَّلِيلِ فِي الْمَنْدُوبِ الْمُخَالَفَةُ مُطْلَقًا.

قُلْنَا: يَجِبُ أَنْ نَعْتَقِدَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِدَلِيلٍ حَتَّى لَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْمُخَالَفَةُ فِي الْمَنْدُوبِ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْأَخِيرَةِ فَهِيَ مُنْتَقِضَةٌ بِالْمَنْدُوبِ، وَأَمَّا شُبَهُ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِ، فَمِنْهَا نَقْلِيَّةٌ وَعَقْلِيَّةٌ.

أَمَّا النَّقْلِيَّةُ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذْ نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا» " فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَى اسْتِطَاعَتِنَا وَمَشِيئَتِنَا وَهُوَ دَلِيلُ النُّدْبِيَّةِ.

وَأَمَّا الْعَقْلِيَّةُ فَهُوَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ مَا فِعْلُهُ خَيْرٌ مِنْ تَرْكِهِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَاجِبِ، فَكُلُّ وَاجِبٍ مَنْدُوبٌ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْدُوبٍ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ، وَالْمَنْدُوبُ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَوَجَبَ جَعْلُ الْأَمْرِ حَقِيقَةً فِيهِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقِّنًا.

وَجَوَابُهُمَا مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ، فَمَا سَبَقَ فِي جَوَابِ شُبَهِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ.

وَمِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ: عَنِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ " {مَا اسْتَطَعْتُمْ} " تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَى مَشِيئَتِنَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ فَافْعَلُوا مَا شِئْتُمْ، بَلْ قَالَ: " {مَا اسْتَطَعْتُمْ} " وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصِّيَّةً لِلنَّدْبِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاجِبٍ كَذَلِكَ.

وَعَنِ الثَّانِيَةِ مَا سَبَقَ مِنِ امْتِنَاعِ وُجُودِ الْمَنْدُوبِ فِي الْوَاجِبِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ تَنْزِيلُ لَفْظِ الْأَمْرِ عَلَى الْمُتَيَقِّنِ لَازِمًا، لَكَانَ جَعْلُهُ حَقِيقَةً فِي رَفْعِ الْحَرَجِ عَنِ الْفِعْلِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِخِلَافِ الْمَنْدُوبِ، فَإِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ بِكَوْنِ الْفِعْلِ مُتَرَجِّحًا عَلَى التَّرْكِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ (٣) .


(١) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْقِسْمَةِ الرَّابِعَةِ لِلْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ ج ١
(٢) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْمَنْدُوبِ ج١
(٣) انْظُرِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْمَنْدُوبِ، وَالثَّالِثَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُبَاحِ ج١ وَالْمَسْأَلَةَ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْأَمْرِ ج ٢

<<  <  ج: ص:  >  >>