وَعَنِ السَّابِعَةِ: مَا سَبَقَ فِي الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ.
وَعَنِ الثَّامِنَةِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ، وَإِنْ سَلِمَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ اقْتِضَاءَ النَّهْيِ لِلْأَضْدَادِ بِصِفَةِ الدَّوَامِ، فَرْعُ كَوْنِ الْأَمْرِ مُقْتَضِيًا لِلْفِعْلِ عَلَى الدَّوَامِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ» ) الْحَدِيثُ، إِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ مَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مَأْمُورًا بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالطَّهَارَةِ يَقْتَضِي تَكْرَارَهَا بِتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ، بَلْ لَعَلَّهُ أُشْكِلَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لِلتَّكْرَارِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ عَنْ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ فِي ذَلِكَ لِإِزَاحَةِ الْإِشْكَالِ، بِمَعْرِفَةِ كَوْنِهِ لِلتَّكْرَارِ إِنْ كَانَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْوًا أَوْ لَا لِلتَّكْرَارِ إِنْ كَانَ فِعْلُهُ عَمْدًا.
كَيْفَ وَإِنَّ فَهْمَ عُمَرَ لِذَلِكَ مُقَابَلٌ بِإِعْرَاضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّكْرَارِ، وَلَوْ كَانَ لِلتَّكْرَارِ لَمَا أَعْرَضَ عَنْهُ، وَلَهُ التَّرْجِيحُ (١) .
وَأَمَّا الْأَخِيرَةُ: فَإِنَّمَا عَمَّ الْأَمْرُ فِيهَا بِالْإِكْرَامِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ لِلْأَزْمَانِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي اسْتِحْقَاقَ الْمَأْمُورِ بِإِكْرَامِهِ لِلْإِكْرَامِ، وَهُوَ سَبَبُ الْأَمْرِ، فَمَهْمَا لَمْ يُعْلَمْ زَوَالُ ذَلِكَ السَّبَبِ وَجَبَ دَوَامُ الْمُسَبِّبِ، فَكَانَ الدَّوَامُ مُسْتَفَادًا مِنْ هَذِهِ الْقَرِينَةِ لَا مِنْ مُطْلَقِ الْأَمْرِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأُولَى لِلْقَائِلِينَ بِامْتِنَاعِ احْتِمَالِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ لِلتَّكْرَارِ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي التَّكْرَارِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ احْتِمَالِهِ لَهُ.
وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: ادْخُلِ الدَّارَ مِرَارًا بِطَرِيقِ التَّفْسِيرِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ وَلَوْ عُدِمَ لَمَا صَحَّ التَّفْسِيرُ.
وَعَنِ الثَّانِيَةِ: أَنَّ ذَلِكَ قِيَاسٌ فِي اللُّغَاتِ فَلَا يَصِحُّ، وَبِهِ دَفْعُ الشُّبْهَةِ الثَّالِثَةِ.
وَإِذَا قَالَ لِوَكِيلِهِ (طَلِّقْ زَوْجَتِي) إِنَّمَا لَمْ يَمْلُكْ مَا زَادَ عَلَى الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْأَمْرِ فِيهَا لَا لِعَدَمِ لُغَةِ الِاحْتِمَالِ ; وَلِهَذَا لَوْ قَالَ (طَلِّقْهَا ثَلَاثًا) عَلَى التَّفْسِيرِ صَحَّ.
وَعَنِ الْخَامِسَةِ مَا سَبَقَ.
(١) وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ عُمَرَ فَهِمَ التَّكْرَارَ مِنْ تَعْلِيقِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ عَلَى الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْآيَةُ مِنْ مَوْضُوعِ الْبَحْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ لَا الثَّالِثَةِ