للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ الْأَمْرُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَمْرِ الْمُكَلِّفِ لِغَيْرِهِ بِفِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ]

الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ

الْأَمْرُ الْمُتَعَلِّقُ بِأَمْرِ الْمُكَلِّفِ لِغَيْرِهِ بِفِعْلٍ مِنَ الْأَفْعَالِ لَا يَكُونُ أَمْرًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ.

وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمْرًا لِذَلِكَ الْغَيْرِ لَكَانَ ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ لُغَةً، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَوْلِيَاءِ الصِّبْيَانِ بِقَوْلِهِ: " «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ» " أَمْرًا لِلصِّبْيَانِ بِالصَّلَاةِ مِنَ الشَّارِعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَمْرَ الْمُوَجَّهَ نَحْوَ الْأَوْلِيَاءِ أَمْرُ تَكْلِيفٍ، وَلِذَلِكَ يُذَمُّ الْوَلِيُّ بِتَرْكِهِ شَرْعًا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا أَمْرًا لِلصِّبْيَانِ لَكَانُوا مُكَلَّفِينَ بِأَمْرِ الشَّارِعِ، وَخَاصَّةً ذَلِكَ لِحُقُوقِ الذَّمِّ بِالْمُخَالَفَةِ شَرْعًا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ، لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ لِخِطَابِ الشَّارِعِ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ» " الْخَبَرَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: الْأَمْرُ لِلْوَلِيِّ وَالصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، غَيْرَ أَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَيْهِمَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يَمْتَنِعُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الذَّمِّ بِسَبَبِ ذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَمْرًا لِلصَّبِيِّ لَمْ يَخْلُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لَفَهِمَ الشَّارِعِ، أَوْ لَا يَكُونَ أَهْلًا لَهُ.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَمْرِ الْوَلِيِّ لَهُ، أَوْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ تَأْكِيدًا، وَالْأَصْلُ فِي إِفَادَةِ الْأَلْفَاظِ لِمَعَانِيهَا إِنَّمَا هُوَ التَّأْسِيسُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لَهُ فَأَمْرُهُ وَخِطَابُهُ مُمْتَنِعٌ بِالْإِجْمَاعِ.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرُ الْوَلِيِّ بِأَمْرِ الصِّبْيَانِ أَمْرًا لِلصِّبْيَانِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لِذَلِكَ لُغَةً أَوْ لِمُعَارِضٍ، وَالْمُعَارَضَةُ يَلْزَمُ مِنْهَا تَعْطِيلُ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ عَنْ إِعْمَالِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لَهُ لُغَةً وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

الثَّانِي مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلِينَ: أَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ سَالِمٍ: " مُرْ غَانِمًا بِكَذَا "، وَيَقُولُ لِغَانِمٍ: " لَا تُطِعْهُ "، وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مُنَاقَضَةً فِي كَلَامِهِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا لِغَانِمٍ لَكَانَ كَأَنَّهُ قَالَ: " أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ طَاعَتِي وَلَا تُطِعْنِي " وَهُوَ تَنَاقُضٌ.

وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْجَبَ الْآمِرُ عَلَى الْمَأْمُورِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِيجَابًا لِلْإِعْطَاءِ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى إِيجَابِ إِعْطَاءِ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ بِنَفْسِ ذَلِكَ الْإِيجَابِ، بَلْ إِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>