للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى خُصُوصِيَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا ذَكَرُوهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْخِطَابِ لَهُ عَامٌّ لِأُمَّتِهِ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِقَطْعِ إِلْحَاقِ غَيْرِهِ بِهِ فِي تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَلَوْ لَمْ يَرِدِ التَّخْصِيصُ لَأَمْكَنَ الْإِلْحَاقُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ (١) .

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ

اخْتَلَفُوا فِي خِطَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ هَلْ هُوَ لِلْبَاقِينَ أَمْ لَا؟ فَنَفَاهُ أَصْحَابُنَا وَأَثْبَتَهُ الْحَنَابِلَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ.

وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا (٢) .

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْمَعْنَى.

أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} ، وَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» " وَقَوْلُهُ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» ".

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى رُجُوعِهِمْ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ إِلَى مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى آحَادِ الْأُمَّةِ.

فَمِنْ ذَلِكَ رُجُوعُهُمْ فِي حَدِّ الزِّنَى إِلَى مَا حَكَمَ بِهِ عَلَى (مَاعِزٍ) ، وَرُجُوعُهُمْ فِي الْمُفَوَّضَةِ إِلَى قِصَّةِ (بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشَقٍ) ، وَرُجُوعُهُمْ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى الْمَجُوسِ إِلَى ضَرْبِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْجِزْيَةَ عَلَى مَجُوسِ هَجَرَ.

وَلَوْلَا أَنَّ حُكْمَهُ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّصَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ بِأَحْكَامٍ دُونَ غَيْرِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بُرْدَةَ فِي التَّضْحِيَةِ بِعَنَاقٍ: " «تُجْزِئُكَ وَلَا تُجْزِئُ أَحَدًا بَعْدَكَ» "، وَقَوْلُهُ لِأَبِي بَكْرَةَ لَمَّا دَخَلَ الصَّفَّ رَاكِعًا: " «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» " وَقَوْلُهُ لِأَعْرَابِيٍّ زَوَّجَهُ بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ: " «هَذَا لَكَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ» ".


(١) تَقَدَّمَ أَنَّ أَدِلَّةَ إِرَادَةِ الْعُمُومِ لِأُمَّتِهِ تَبَعًا لَهُ بِخِطَابِهِ - تَعَالَى - إِيَّاهُ تُغْنِي عَنِ الْقِيَاسِ
(٢) سَبَقَ أَيْضًا مَا فِيهِ تَعْلِيقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>