للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ: فَجَوَابُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُسَمَّى عِلْمًا، وَالظَّنُّ يُسَمَّى عِلْمًا وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} وَأَرَادَ إِنْ ظَنَنْتُمُوهُنَّ؛ لِاسْتِحَالَةِ الْيَقِينِ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوِ الْمَجَازِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ كَمَا سَبَقَ.

الثَّانِي: أَنَّ (إِلَّا) فِيهَا لَيْسَتْ لِلِاسْتِثْنَاءِ، بَلْ هِيَ بِمَعْنَى (لَكِنْ) ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ (الْيَعَافِيرُ وَالْعِيسُ) مِنَ (الْأَنِيسِ) فَلَيْسَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّهَا مِمَّا يُؤْنَسُ بِهَا، فَهِيَ مِنْ جِنْسِ الْأَنِيسِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْأُنْسِ، بَلْ وَقَدْ يَحْصُلُ الْأُنْسُ بِالْآثَارِ وَالْأَبْنِيَةِ وَالْأَشْجَارِ، فَضْلًا عَنِ الْحَيَوَانِ.

وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْأَوَارِيِّ مِنْ أَحَدٍ، فَإِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ الْأَحَدُ عَلَى الْآدَمِيِّ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: رَأَيْتُ أَحَدَ الْحِمَارَيْنِ، وَرَكِبْتُ أَحَدَ الْفَرَسَيْنِ، وَرَمَيْتُ أَحَدَ الْحَجَرَيْنِ وَأَحَدَ السَّهْمَيْنِ، فَلَمْ يَكُنِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْأَوَارِيَّ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهَا لَفْظَةُ (أَحَدٍ) وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنَ الْجِنْسِ فَإِلَّا لَيْسَتِ اسْتِثْنَائِيَّةً حَقِيقَةً، بَلْ بِمَعْنَى (لَكِنْ) كَمَا سَبَقَ.

وَأَمَّا (فُلُولُ السُّيُوفِ) فَهُوَ عَيْبٌ فِي السُّيُوفِ، وَإِنْ كَانَ يُسَبِّبُ فُلُولُهَا فَخْرًا وَمِدْحَةً لِأَرْبَابِهَا فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ.

وَقَوْلُ الْعَرَبِ: (مَا زَادَ إِلَّا مَا نَقَصَ) تَقْدِيرُهُ: مَا زَادَ شَيْءٌ إِلَّا الَّذِي نَقَصَ أَيْ يَنْقُصُ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْجِنْسِ.

وَقَوْلُهُمْ: (مَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا الْوَتِدُ) فَجَوَابُهُ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَوَارِيِّ مِنْ أَحَدٍ.

وَقَوْلُهُ: (مَا جَاءَنِي زَيْدٌ إِلَّا عَمْرٌو) فَإِلَّا بِمَعْنَى (لَكِنْ) .

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمَعْقُولِ، قَوْلُهُمْ: إِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَرْفَعُ جَمِيعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَشَيْءٌ لَا إِشْعَارَ لَهُ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>