للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَدَلِيلُهُ الْمَعْقُولُ وَالْمَنْقُولُ.

أَمَّا الْمَعْقُولُ فَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ، وَأَمَّا الْمَنْقُولُ فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «لَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» " وَرَدَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ "، فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي النِّصَابِ وَمَا دُونَهُ، وَقَوْلَهُ - تَعَالَى -: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} مِمَّا لَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا لِمَا وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ السُّنَّةِ بِسُنَّةٍ أُخْرَى كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ.

[الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ تَخْصِيصُ عُمُومِ السُّنَّةِ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ

يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ السُّنَّةِ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَدَلِيلُهُ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ.

أَمَّا النَّقْلُ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَشْيَاءِ فَكَانَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ الْعُمُومِ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ خُصَّ فِي الْبَعْضِ فَيَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْبَاقِي.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْآيَةُ مُعَارَضَةٌ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ، وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ أَنَّهُ جَعَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَيِّنًا لِلْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِسُنَّتِهِ.

فَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ لَكَانَ الْمُبَيَّنُ بِالسُّنَّةِ مُبَيِّنًا لَهَا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ.

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُبَيِّنَ أَصْلٌ، وَالْبَيَانُ تَبَعٌ لَهُ وَمَقْصُودٌ مِنْ أَجْلِهِ، فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ لَكَانَتِ السُّنَّةُ أَصْلًا وَالْقُرْآنُ تَبَعًا، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَجَوَابُ الْآيَةِ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِهِ مُبَيِّنًا لِمَا أُنْزِلَ امْتِنَاعُ كَوْنِهِ مُبَيِّنًا لِلسُّنَّةِ بِمَا يَرِدُ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الْقُرْآنِ، إِذِ السُّنَّةُ أَيْضًا مُنَزَّلَةٌ عَلَى مَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى - إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} غَيْرَ أَنَّ الْوَحْيَ مِنْهُ مَا يُتْلَى فَيُسَمَّى كِتَابًا، وَمِنْهُ مَا لَا يُتْلَى فَيُسَمَّى سُنَّةً، وَبَيَانُ أَحَدِ الْمُنْزَلَيْنِ بِالْآخَرِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>