للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ بِالنَّظَرِ إِلَى مَتْنِهِ ظَنِّيَّةٌ مُطْلَقًا غَيْرَ أَنَّهُ قَطْعِيُّ السَّنَدِ وَالْخَبَرِ، وَإِنْ كَانَ قَاطِعًا فِي مَتْنِهِ فَظَنِّيٌّ فِي سَنَدِهِ فَقَدْ تَقَابَلَا وَتَعَارَضَا وَوَجَبَ التَّوَقُّفُ عَلَى دَلِيلٍ خَارِجٍ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ.

وَالْجَوَابُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى تَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ حَيْثُ إِنَّهُمْ أَضَافُوا التَّخْصِيصَ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْخَبَرِ، فَإِنَّمَا يَمْنَعُ مِنْ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِالْخَبَرِ أَنْ لَوْ كَانَ الْخَبَرُ الْمُخَصِّصُ مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ هُوَ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مِنْهُ فَكَانَ مُقَرِّرًا لَا مُخَالِفًا، وَيَجِبُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يُفْضِيَ إِلَى تَخْصِيصِ (١) مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْخَبَرِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ مِنَ السُّنَّةِ، فَإِنَّهُ مُخَصِّصٌ لِلْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ.

قَوْلُهُمْ: إِنْ صَحَّ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَالتَّخْصِيصُ بِإِجْمَاعِهِمْ لَا بِالْخَبَرِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ إِجْمَاعَهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَى تَخْصِيصِ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ مُطْلَقًا، بَلْ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَمَهْمَا كَانَ التَّخْصِيصُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَكْذِيبِ عُمَرَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ مَرْدُودٌ عِنْدَهُ، بَلْ لِتَرَدُّدِهِ فِي صِدْقِهَا وَلِهَذَا قَالَ: كَيْفَ نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصْدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ؟ وَلَوْ كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ مَرْدُودًا مُطْلَقًا لَمَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا التَّعْلِيلِ.

قَوْلُهُمْ: لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِمُجَرَّدِ خَبَرِ الْوَاحِدِ.

قُلْنَا: وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ خَبَرِ الْوَاحِدِ يَكُونُ مَقْبُولًا، بَلْ إِنَّمَا يُقْبَلُ إِذَا كَانَ مُغْلِبًا عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَصْلُ عَدَمُ اعْتِبَارِ مَا سِوَاهُ فِي الْقَبُولِ.

قَوْلُهُمْ: إِنَّ سَنَدَ الْخَبَرِ ظَنِّيٌّ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ عَلَى الْآحَادِ الدَّاخِلَةِ فِيهِ قَطْعِيَّةٌ، لِاحْتِمَالِهِ لِلتَّخْصِيصِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قُدِّرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ خُصَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.


(١) لَا يُفْضِي إِلَى تَخْصِيصٍ فِيهِ سَقْطٌ، وَالتَّقْدِيرُ لَا يُفْضِي إِلَى مَنْعِ تَخْصِيصِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>