للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ اللَّفْظُ الْعَامُّ إِذَا عُقِّبَ بِمَا فِيهِ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى بَعْضِ الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ هَلْ يَكُونُ خُصُوصُ الْمُتَأَخِّرِ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ

اللَّفْظُ الْعَامُّ إِذَا عُقِّبَ بِمَا فِيهِ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى بَعْضِ الْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ لَا إِلَى كُلِّهِ، هَلْ يَكُونُ خُصُوصُ الْمُتَأَخِّرِ مُخَصِّصًا لِلْعَامِّ الْمُتَقَدِّمِ بِمَا الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَيْهِ أَوْ لَا؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ كَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَغَيْرِهِ إِلَى امْتِنَاعِ التَّخْصِيصِ بِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ.

وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ الْحَرَائِرِ الْمُطَلَّقَاتِ بَوَائِنَ كُنُّ أَوْ رَجْعِيَّاتٍ.

ثُمَّ قَالَ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} ، فَإِنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى الرَّجْعِيَّاتِ دُونَ الْبَوَائِنِ، وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ.

وَالْمُخْتَارُ بَقَاءُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَلَى عُمُومِهِ، وَامْتِنَاعُ تَخْصِيصِهِ بِمَا تَعَقَّبَهُ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْعُمُومِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ الثَّانِي عَوْدُ الضَّمِيرِ إِلَى جَمِيعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمُتَقَدِّمُ، إِذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِاخْتِصَاصِ بَعْضِ الْمَذْكُورِ السَّابِقِ بِهِ دُونَ الْبَعْضِ فَإِذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِ الضَّمِيرِ بِبَعْضِ الْمَذْكُورِ السَّابِقِ وَخُولِفَ ظَاهِرُهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ الْأَخِيرَ، بَلْ يَجِبُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ إِلَى أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهِ. (١)

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ ظَاهِرِ مَا اقْتَضَاهُ الضَّمِيرُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى كُلِّ الْمَذْكُورِ السَّابِقِ إِذَا أَجْرَيْنَا اللَّفْظَ السَّابِقَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلَيْسَ الْقَوْلُ بِإِجْرَائِهِ عَلَى عُمُومِهِ، وَمُخَالَفَةُ ظَاهِرِ الضَّمِيرِ أَوْلَى مِنْ إِجْرَاءِ ظَاهِرِ الضَّمِيرِ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَتَخْصِيصُ الْمَذْكُورِ السَّابِقِ، وَإِذَا لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْوَقْفُ.

قُلْنَا: بَلْ إِجْرَاءُ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى عُمُومِهِ وَتَخْصِيصُ الْمُتَأَخِّرِ أَوْلَى مِنَ الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَوَّلِ ظَاهِرَةٌ، وَدَلَالَةَ الثَّانِي غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَةَ الْمُظْهَرِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمُضْمَرِ، فَكَانَ رَاجِحًا.


(١) اخْتِيَارُهُ بَقَاءَ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَلَى عُمُومِهِ، وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَيْهِ يَنْقُضُ مَذْهَبَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْعُمُومِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِإِفَادَتِهِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>