للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ الثالثة قَوْلُهُ عليه السلام أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ» " (١) صَدَّرَ الْكَلَامَ (بِأَيِّ وَمَا) فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَذَلِكَ مِنْ أَبْلَغِ أَدَوَاتِ الْعُمُومِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ وَأَكَّدَهُ بِالْبُطْلَانِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ مَا يَدُلُّ بِهِ الْفَصِيحُ الْمُصْقِعُ عَلَى التَّعْمِيمِ وَالْبُطْلَانِ.

وَقَدْ طَرَقَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَ تَأْوِيلَاتٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَرْأَةِ الصَّغِيرَةَ.

الثَّانِي: أَنَّهُ وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْكَبِيرَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الْأَمَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ مَصِيرَهُ إِلَى الْبُطْلَانِ غَالِبًا، بِتَقْدِيرِ اعْتِرَاضِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَيْهَا، إِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ.

وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا فِي صَرْفِ هَذَا الْعُمُومِ الْقَوِيِّ الْمُقَارِبِ لِلْقَطْعِ عَنْ ظَاهِرِهِ.

أَمَّا الْحَمْلُ عَلَى الصَّغِيرَةِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى امْرَأَةً فِي وَضْعِ اللِّسَانِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالْبُطْلَانِ، وَنِكَاحُ الصَّغِيرَةِ لِنَفْسِهَا دُونَ إِذْنِ وَلَيِّهَا صَحِيحٌ عِنْدَهُمْ، مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ.

وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى الْأَمَةِ فَيَدْرَؤُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» " وَمَهْرُ الْأَمَةِ لَيْسَ لَهَا بَلْ لِسَيِّدِهَا.

وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَبَعِيدٌ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى جِنْسِ النِّسَاءِ نَادِرَةٌ، وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَقْوَى مَرَاتِبِ الْعُمُومِ، وَلَيْسَ مِنَ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ إِطْلَاقُ مَا هَذَا شَأْنُهُ، وَإِرَادَةُ مَا هُوَ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ وَالشُّذُوذِ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ لَقِيتَهَا الْيَوْمَ فَأَعْطِهَا دِرْهَمًا " وَقَالَ: " إِنَّمَا أَرَدْتُ بِهِ الْمُكَاتَبَةَ " كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى الْإِلْغَازِ فِي الْقَوْلِ وَهُجْرِ الْكَلَامِ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى غَيْرُ الْأَقَلِّ النَّادِرِ مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ.


(١) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ، وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ: ثُمَّ أَلْفَيْتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>