للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا إِنْ كَانَ لِصِحَّةِ الْمَلْفُوظِ بِهِ، فَإِمَّا أَنْ تَتَوَقَّفَ صِحَّتُهُ عَلَيْهِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا.

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ: فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ لِصِحَّةِ الْمَلْفُوظِ بِهِ عَقْلًا. (١) وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَقَوْلِ الْقَائِلِ لِغَيْرِهِ: (أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ) فَإِنَّهُ يَسْتَدْعِي تَقْدِيرَ سَابِقَةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إِلَيْهِ ضَرُورَةَ تَوَقُّفِ الْعِتْقِ الشَّرْعِيِّ عَلَيْهِ.

[النَّوْعُ الثَّانِي دَلَالَةُ التَّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ]

وَهِيَ خَمْسَةُ أَصْنَافٍ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِي الْقِيَاسِ.

[النَّوْعُ الثَّالِثُ دَلَالَةُ الْإِشَارَةِ]

وَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَقِّ النِّسَاءِ: ( «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ) فَقِيلَ لَهُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ قَالَ: تَمْكُثُ إِحْدَاهُنَّ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا شَطْرَ دَهْرِهَا لَا تُصَلِّي، وَلَا تَصُومُ» ) (٢) فَهَذَا الْخَبَرُ إِنَّمَا سِيقَ لِبَيَانِ نُقْصَانِ دِينِهِنَّ، لَا لِبَيَانِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ شَطْرَ الدَّهْرِ مُبَالَغَةً فِي بَيَانِ نُقْصَانِ دِينِهِنَّ، وَلَوْ كَانَ الْحَيْضُ يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَذَكَرَهُ، وَكَذَلِكَ دَلَالَةُ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مُدَّةٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَقْصُودًا مِنَ اللَّفْظِ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ مُمْتَدَّةً إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ بِقَوْلِهِ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} وَكَانَ بَيَانُ ذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ، وَأَصْبَحَ جُنُبًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، لِأَنَّ مَنْ جَامَعَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، لَا بُدَّ مِنْ تَأَخُّرِ غُسْلِهِ إِلَى النَّهَارِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُفْسِدُ الصَّوْمَ لَمَا أُبِيحَ الْجِمَاعُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَقْصُودًا مِنَ الْكَلَامِ إِلَى نَظَائِرِهِ.


(١) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ - انْظُرْ ٤٥ ج١.
(٢) الْحَدِيثُ مَثَّلَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ لِمَا يَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ ثَانَوِيَّةٍ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ مُدَّةِ الطُّهْرِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ: لَا أَصْلَ لَهُ. انْظُرْ تَلْخِيصَ الْحَبِيرِ، وَكَشْفَ الْخَفَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>