للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا فَكَوْنُهُ شَرْطًا يَتَحَقَّقُ بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، إِذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إِذَا قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَقُمْ مَقَامَهُ فِي الشَّرْطِيَّةِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الِاشْتِرَاطِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ شَرْطٍ آخَرَ، وَلَا عَلَى عَدَمِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِغَيْرِهِ: " إِنْ دَخَلَ زَيْدٌ الدَّارَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا "، مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ دُخُولُ الدَّارِ فِي عَطِيَّتِكَ لَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَمَالُ الشَّرْطِ هُوَ دُخُولُ الدَّارِ، لِأَنَّ لَامَ الْجِنْسِ تَقْتَضِي الْعُمُومَ، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: " إِنْ دَخَلَ الدَّارَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا "، يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ، فَلَوْ قَامَ شَرْطٌ آخَرُ مَقَامَهُ لَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ الْإِعْطَاءِ مَعَ عَدَمِ الدُّخُولِ، فَيَقْتَضِي الشَّرْطُ الْأَوَّلُ امْتِنَاعَ وُجُودِ شَرْطٍ آخَرَ يَقُومُ مَقَامَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا.

قُلْنَا: جَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: (إِنْ دَخَلَ الدَّارَ) هُوَ الشَّرْطُ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ شَرْطٍ آخَرَ، وَتَقْدِيرُ لَامِ الْجِنْسِ هَاهُنَا زِيَادَةٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهَا.

وَجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ: (إِنْ دَخَلَ الدَّارَ) يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ مُطْلَقًا، بَلْ إِذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ. (لَكِنْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَاهُنَا إِذَا سُلِّمَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ أَنَّ عَدَمَهُ يَقْتَضِي الْعَدَمَ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ قِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، فَاقْتَضَى عَدَمُهُ الْعَدَمَ.)

وَرُبَّمَا احْتَجَّ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ الشَّرْطُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهِ لَكَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} يَمْنَعُ مِنْ تَحْرِيمِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا عِنْدَ عَدَمِ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ، وَهُوَ مُحَالٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ذِكْرُ إِرَادَةِ التَّحَصُّنِ إِنَّمَا كَانَ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي الْإِكْرَاهِ لِاسْتِحَالَةِ تَحَقُّقِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا فِي حَقِّ مَنْ هُوَ مُرِيدٌ لَهُ غَيْرُ مُرِيدٍ لِلتَّحَصُّنِ، لَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي تَحْرِيمِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>