للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ السادسة تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِإِنَّمَا هَلْ يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ

اخْتَلَفُوا فِي تَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِإِنَّمَا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقَسَّمْ» "، " «وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» "، " «وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» "، " «وَإِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» " هَلْ يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ أَوْ لَا؟ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالْغَزَالِيُّ وَالْهَرَّاسِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْحَصْرِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْكِيدِ.

وَذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِمَّنْ أَنْكَرَ دَلِيلَ الْخِطَابِ إِلَى أَنَّهُ لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْحَصْرِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ.

وَذَلِكَ لِأَنَّ كَلِمَةَ (إِنَّمَا) قَدْ تَرِدُ وَلَا حَصْرَ، كَقَوْلِهِ: " «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» " وَهُوَ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي النَّسِيئَةِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ سِوَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ.

وَقَدْ تَرِدُ وَالْمُرَادُ بِهَا الْحَصْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (١) وَعِنْدَ ذَلِكَ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ، وَهُوَ تَأْكِيدُ إِثْبَاتِ الْخَبَرِ لِلْمُبْتَدَأِ، نَفْيًا لِلتَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ عَنِ اللَّفْظِ لِكَوْنِهِ (٢) عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، وَلِأَنَّ كَلِمَةَ (إِنَّمَا) لَوْ كَانَتْ لِلْحَصْرِ لَكَانَ وُرُودُهَا فِي غَيْرِ الْحَصْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.

فَإِنْ قِيلَ: وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْحَصْرِ، لَكَانَ فَهْمُ الْحَصْرِ فِي صُورَةِ الْحَصْرِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ.

قُلْنَا: إِنَّمَا يَكُونُ فَهْمُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ أَنْ لَوْ كَانَ دَلِيلُ الْحَصْرِ مُنْحَصِرًا فِي كَلِمَةِ (إِنَّمَا) وَلَيْسَ كَذَلِكَ.


(١) الْمَعْنَى أَنَا بَشَرٌ لَا مَلَكٌ فَالْحَصْرُ فِي الْجُمْلَةِ إِضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ، إِذِ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِفَاتٌ أُخْرَى سِوَى الْبَشَرِيَّةِ.
(٢) لِكَوْنِهِ - الصَّوَابُ - لِكَوْنِهِمَا أَيِ التَّجَوُّزِ وَالِاشْتِرَاكِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>