للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْمَسْأَلَةُ التاسعة كُلَّ خِطَابٍ خَصَّصَ مَحَلَّ النُّطْقِ بِالذِّكْرِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْأَعَمِّ بِالْأَغْلَبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ]

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ

اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ عَلَى أَنَّ كُلَّ خِطَابٍ خَصَّصَ مَحَلَّ النُّطْقِ بِالذِّكْرِ لِخُرُوجِهِ مَخْرَجَ الْأَعَمِّ بِالْأَغْلَبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} ، وَقَوْلِهِ: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (١) .، وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ وَلَيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» "، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» " فَإِنَّ تَخْصِيصَهُ بِالذِّكْرِ لِمَحَلِّ النُّطْقِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، إِذِ الْغَالِبُ أَنَّ الرَّبِيبَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي الْحِجْرِ، وَأَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ الشِّقَاقِ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ إِذْنِ الْوَلِيِّ لَهَا وَإِبَائِهِ مِنْ تَزْوِيجِهَا، وَأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْحِجَارَةِ.

وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا ظَهَرَ سَبَبُ تَخْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ كَسُؤَالِ سَائِلٍ أَوْ حُدُوثِ حَادِثَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْصِيصِ.

وَعَلَى هَذَا فَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ سَبَبٌ يُوجِبُ تَخْصِيصَ مَحَلِّ النُّطْقِ بِالذِّكْرِ دُونَ مَحَلِّ السُّكُوتِ بَلْ كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِمَا وَإِلَى ذِكْرِهِمَا مَعَ الْعِلْمِ بِهِمَا مُسْتَوِيَةً، وَلَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ أَوْلَى بِالثُّبُوتِ.

وَبِالْجُمْلَةِ، لَوْ لَمْ يَظْهَرْ سَبَبٌ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّخْصِيصِ سِوَى نَفْيِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ فَهَلْ يَجِبُ الْقَوْلُ بِنَفْيِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ التَّخْصِيصِ، أَوْ لَا يَجِبُ؟

إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَا يَجِبُ كَانَ التَّخْصِيصُ بِالذِّكْرِ عَبَثًا خَلِيًّا عَنِ الْفَائِدَةِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُنَزَّهُ عَنْهُ مَنْصِبُ آحَادِ الْبُلَغَاءِ فَضْلًا عَنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ.

وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ نَفْيِ الْحُكْمِ لَزِمَ الْقَوْلُ بِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.


(١) الْمُنَاسِبُ لِذِكْرِ الْخُلْعِ أَنْ يُمَثَّلَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) فَإِنَّ آيَةَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ لَيْسَ فِيهَا إِشْعَارٌ بِخُلْعٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>