للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ صِفَاتِ التَّخْصِيصِ الْفَارِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسْخِ دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِ التَّخْصِيصِ، أَوْ مُلَازِمَةٌ خَارِجَةٌ فَلَا وُجُودَ لَهَا فِي النَّسْخِ، فَلَا يَكُونُ التَّخْصِيصُ أَعَمَّ مِنَ النَّسْخِ، لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَصْدُقَ الْحُكْمُ بِهِ مَعَ جَمِيعِ صِفَاتِهِ اللَّازِمَةِ لِذَاتِهِ عَلَى الْأَخَصِّ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَصْدُقُ عَلَى النَّسْخِ فَلَا يَكُونُ النَّسْخُ تَخْصِيصًا.

وَإِلَّا فَلِقَائِلٍ (١) أَنْ يَقُولَ: مَا ذُكِرَ مِنَ الصِّفَاتِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالنَّسْخِ إِنَّمَا هِيَ فُرُوقٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ التَّخْصِيصِ، وَلَيْسَتْ مِنْ لَوَازِمِ مَفْهُومِ التَّخْصِيصِ، بَلِ التَّخْصِيصُ أَعَمُّ مِنَ النَّسْخِ وَمِنْ جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ قَادِحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرْجَعَ إِلَى الِاصْطِلَاحِ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ التَّخْصِيصِ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَالنَّسْخِ عَلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ.

فَحَاصِلُ النِّزَاعِ يَرْجِعُ إِلَى الْإِطْلَاقِ اللَّفْظِيِّ، وَلَا مُنَازَعَةَ فِيهِ بَعْدَ فَهْمِ غَوْرِ الْمَعْنَى.

[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي شُرُوطِ النَّسْخِ الشَّرْعِيِّ]

وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٍ فِيهِ:

أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ: فَأَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمَنْسُوخُ شَرْعِيًّا، أَوْ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ شَرْعِيًّا مُتَرَاخِيًا عَنِ الْخِطَابِ الْمَنْسُوخِ حُكْمُهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْخِطَابُ الْمَنْسُوخُ حُكْمُهُ مُقَيَّدًا بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ.

وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا: فَأَنْ يَكُونَ قَدْ وَرَدَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ التَّمَكُّنِ مِنَ الِامْتِثَالِ، وَأَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ الْمَنْسُوخُ حُكْمُهُ مِمَّا لَا يَدْخُلُهُ الِاسْتِثْنَاءُ وَالتَّخْصِيصُ، وَأَنْ يَكُونَ نَسْخُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ نَصَّيْنِ قَاطِعَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ مُقَابِلًا لِلْمَنْسُوخِ مُقَابَلَةَ الْأَمْرِ بِالنَّهْيِ، وَالْمُضَيَّقِ بِالْمُوَسَّعِ، وَأَنْ يَكُونَ النَّسْخُ بِبَدَلٍ.

فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ كَمَا يَأْتِي، وَإِذْ أَتَيْنَا عَلَى مَا أَرَدْنَاهُ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَشَعِّبَةِ عَنِ النَّسْخِ، وَهِيَ عِشْرُونَ مَسْأَلَةً.


(١) وَإِلَّا فَلِقَائِلٍ كَانَ فِيهِ تَحْرِيفٌ وَلَعَلَّ الْأَصْلَ وَلِقَائِلٍ، وَيَكُونُ جَوَابًا عَنِ النَّظَرِ الْمُتَقَدِّمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>