للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِطْرِ فِي اللَّيْلِ (١) وَنَسْخِ تَحْرِيمِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ (٢) وَكُلُّ ذَلِكَ بَدَلٌ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي نُسِخَتْ لَا إِلَى بَدَلٍ.

وَالْوُقُوعُ فِي الشَّرْعِ أَدَلُّ الدَّلَائِلِ عَلَى الْجَوَازِ الشَّرْعِيِّ.

فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى نَقِيضِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُنْسَخُ إِلَّا بِبَدَلٍ، وَالْخُلْفُ فِي خَبَرِ الصَّادِقِ مُحَالٌ.

قُلْنَا: مَا ذَكَرُوهُ إِنَّمَا هُوَ دَلِيلُ لُزُومِ الْبَدَلِ فِي نَسْخِ لَفْظِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَسْخِ حُكْمِهَا، وَذَلِكَ هُوَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ.

سَلَّمْنَا دَلَالَةَ مَا ذَكَرُوهُ عَلَى نَسْخِ الْحُكْمِ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ حُكْمٍ وَإِنْ سَلَّمْنَا، وَلَكِنَّهُ مُخَصَّصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الصُّوَرِ.

سَلَّمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُخَصَّصٍ، لَكِنْ مَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ رَفْعُ الْحُكْمِ بَدَلَ إِثْبَاتِهِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي نُسِخَ فِيهِ، لِكَوْنِ الْمَصْلَحَةِ فِي الرَّفْعِ دُونَ الْإِثْبَاتِ، وَإِنْ سَلِمَ امْتِنَاعُ وُقُوعِ ذَلِكَ شَرْعًا، لَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ.


(١) يَعْنِي وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ عَنِ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَيْلَةَ الصِّيَامِ.
(٢) يُشِيرُ إِلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ خُضْرَةَ الْأَضَاحِيِّ زَمَانَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " ادَّخِرُوا ثَلَاثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ "، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمِنَ النَّاسِ يَتَّخِذُونَ الْأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَجْمُلُونَ فِيهَا الْوَدَكَ، فَقَالَ: " نَهَيْتُ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: " إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ، فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا "، وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَاتٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>