للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: أَمَّا قِصَّةُ أَهْلِ قُبَاءٍ فَمِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَلَا نُسَلِّمُ ثُبُوتَ مِثْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بِهِ، كَيْفَ وَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَنَ بِقَوْلِهِ قَرَائِنُ أَوْجَبَتِ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ مِنْ قُرْبِهِمْ مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَاعِهِمْ لِضَجَّةِ الْخَلْقِ فِي ذَلِكَ فَكَانَ نَازِلًا مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ. (١) وَأَمَّا تَنْفِيذُ الْآحَادِ لِلتَّبْلِيغِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَمَا لَا فَلَا. (٢) وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى قِيَاسِ النَّسْخِ عَلَى التَّخْصِيصِ، وَهُوَ إِنَّمَا يُفِيدُ فِي الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ فَلِمَ قَالُوا: إِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. (٣) كَيْفَ وَالْفَرْقُ حَاصِلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّسْخَ رَفْعٌ لِمَا ثَبَتَ بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ عَلَى مَا سَبَقَ مَعْرِفَتُهُ (٤) فَلِمَ قَالُوا: بِأَنَّهُ إِذَا قُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا لَا يَقْتَضِي الرَّفْعَ لِمَا ثَبَتَ؛ يُقْبَلُ فِي رَفْعِ مَا ثَبَتَ.

وَأَمَّا الْمَعْنَى الثَّانِي: فَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى مَا يَأْتِي.


(١) حَدِيثُ تَحَوُّلِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ ظَاهِرٌ فِي إِضَافَةِ تَحَوُّلِهِمْ إِلَى خَبَرِ الْمُنَادِي فَلَا يُعْدَلُ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الْإِضَافَةِ لِلْقَرَائِنِ إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُهَا.
(٢) ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْفِذُ الْآحَادَ لِتَبْلِيغِ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَتَحْفِيظِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَعْمُولٌ بِهِ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الدِّينِ.
(٣) تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ ظَنِّيَّةٌ بَلْ فِيهَا مَا خَرَجَ مِنْهُ الْمُؤَلِّفُ بِالشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ، وَإِذًا فَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ مَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِمَا يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ.
(٤) قَدْ يُقَالُ: إِنَّ النَّسْخَ بَيَانٌ لِأَمَدِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ وَتَعْرِيفٌ بِمُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ خِطَابِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْ إِطْلَاقِ خِطَابِهِ الْأَوَّلِ الِاسْتِمْرَارَ فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلْحُكْمِ بِبَعْضِ الْأَزْمَانِ، انْظُرْ قَوْلَهُ فِي ص ١٢٢ ج ٣: " فَإِنَّا وَإِنْ أَطْلَقْنَا لَفْظَةَ الرَّفْعِ فِي النَّسْخِ إِنَّمَا نُرِيدُ بِهِ امْتِنَاعَ اسْتِمْرَارِ الْمَنْسُوخِ. . . إِلَخْ " - وَقَوْلَهُ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ: " بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ دَلَالَةِ الْخِطَابِ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُرِدْ بِخِطَابِهِ الْأَوَّلِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي وَقْتِ النَّسْخِ " لِتَعْرِفَ طَرِيقَتَهُ الْجَدَلِيَّةَ فِي نِقَاشِهِ وَدِفَاعِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>