للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا» ". (١) وَأَمَّا (الْبَاءُ) فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

فَهَذِهِ هِيَ الصِّيَغُ الصَّرِيحَةُ فِي التَّعْلِيلِ وَعِنْدَ وُرُودِهَا يَجِبُ اعْتِقَادُ التَّعْلِيلِ، إِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا التَّعْلِيلُ فَتَكُونُ مَجَازًا فِيمَا قُصِدَ بِهَا، وَذَلِكَ فِي (اللَّامِ) كَمَا لَوْ قِيلَ: (لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟) فَقَالَ: (لِأَنِّي قَصَدْتُ أَنْ أَفْعَلَ) وَكَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: (أُصَلِّي لِلَّهِ) وَقَوْلِ الشَّاعِرِ: (

لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ

) (٢) فَقَصْدُ الْفِعْلِ لَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً لِلْفِعْلِ وَغَرَضًا لَهُ، وَكَذَلِكَ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ عِلَّةً لِلصَّلَاةِ وَلَا الْمَوْتُ عِلَّةً لِلْوِلَادَةِ وَلَا الْخَرَابُ عِلَّةً لِلْبِنَاءِ، بَلْ عِلَّةُ الْفِعْلِ مَا يَكُونُ بَاعِثًا عَلَى الْفِعْلِ، وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ بَوَاعِثَ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} ، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ شَاقَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُخْرِبُ بَيْتَهُ، فَلَيْسَتِ الْمُشَاقَّةُ عِلَّةً لِخَرَابِ الْبَيْتِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ لِفَظُّ الْخَرَابِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْخَرَابِ، أَوْ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعَلَّلًا بِالْمُشَاقَّةِ.


(١) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. وَقَدْ رُوِيَ بِعِدَّةِ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، انْظُرْ تَلْخِيصَ الْحَبِيرِ وَنَصْبَ الرَّايَةِ.
(٢) جُزْءٌ مِنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: إِنَّ مَلَكًا بِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ. . . الْحَدِيثَ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، انْظُرْ كَشْفَ الْخَفَاءِ وَالْإِلْبَاسِ لِلْعَجْلُونِيِّ لِتَعْرِفَ طُرُقَهُ وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَطَاعِنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>