للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ كَانَ أَصْلًا فَهُوَ الْقِسَمُ الثَّانِي الرَّاجِعُ إِلَى الْحَاجَاتِ الزَّائِدَةِ، وَذَلِكَ كَتَسْلِيطِ الْوَلِيِّ عَلَى تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ لَا لِضَرُورَةٍ أَلْجَأَتْ إِلَيْهِ بَلْ لِحَاجَةِ تَقْيِيدِ الْكُفْءِ الرَّاغِبِ ; خِيفَةَ فَوَاتِهِ عِنْدَ دُعُوِّ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا إِلَى خُلْفٍ.

وَأَمَّا تَسْلِيطُ الْوَلِيِّ عَلَى تَرْبِيَةِ الصَّغِيرِ وَإِرْضَاعِهِ وَشِرَاءِ الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ لَهُ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، بَلْ مِنْ قَبِيلِ الضَّرُورِيَّاتِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي لَا تَخْلُو شَرِيعَةٌ عَنْ رِعَايَتِهَا.

وَهَذَا الْقِسْمُ فِي الرُّتْبَةِ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا جَازَ اخْتِلَافُ الشَّرَائِعِ فِيهِ دُونَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ فِي مَحَلِّ الْمُعَارَضَةِ مَعَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْمِلَةِ وَالتَّتِمَّةِ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَلِهَذَا اشْتَرَكَا فِي جَوَازِ اخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ فِيهِمَا.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَصْلًا فَهُوَ التَّابِعُ الْجَارِي مَجْرَى التَّتِمَّةِ وَالتَّكْمِلَةِ لِلْقِسْمِ الثَّانِي، وَذَلِكَ كَرِعَايَةِ الْكَفَاءَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ، فَإِنَّهُ أَفْضَى إِلَى دَوَامِ النِّكَاحِ وَتَكْمِيلِ مَقَاصِدِهِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْمَقْصُودِ حَاصِلًا دُونَ ذَلِكَ، وَهَذَا النَّوْعُ فِي الرُّتْبَةِ دُونَ مَا تَقَدَّمَ، أَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْمِلَةِ لِلْمَقْصُودِ الضَّرُورِيِّ، فَلِكَوْنِهِ مُكَمِّلًا لِمَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْحَاجَاتِ الزَّائِدَةِ، فَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ مَا يَقَعُ مَوْقِعَ التَّحْسِينِ وَالتَّزْيِينِ وَرِعَايَةِ أَحْسَنِ الْمَنَاهِجِ فِي الْعَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ، وَذَلِكَ كَسَلْبِ الْعَبِيدِ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَبْدَ نَازِلُ الْقَدْرِ وَالْمَنْزِلَةِ لِكَوْنِهِ مُسْتَسْخَرًا لِلْمَالِكِ مَشْغُولًا بِخِدْمَتِهِ، فَلَا يَلِيقُ بِهِ مَنْصِبُ الشَّهَادَةِ لِشَرَفِهَا وَعِظَمِ خَطَرِهَا ; جَرْيًا لِلنَّاسِ عَلَى مَا أَلِفُوهُ وَعَدُّوهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْعَادَاتِ، وَإِنْ كَانَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ وَلَا زَائِدَةٌ وَلَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْمِلَةِ لِأَحَدِهِمَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ سَلْبِ وِلَايَتِهِ عَلَى الطِّفْلِ فَإِنَّ سَلْبَ وِلَايَتِهِ مِنْ قَبِيلِ الْحَاجَاتِ ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى الطِّفْلِ تَسْتَدْعِي الْخُلُوَّ وَالْفَرَاغَ وَالنَّظَرَ فِي أَحْوَالِهِ، وَاسْتِغْرَاقُ الْعَبْدِ بِمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَةِ مَالِكِهِ مَانِعٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>