للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعَقْلَ مُوجِبٌ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِي نَظَرِ الْعَاقِلِ، لَكِنْ مَتَى إِذَا كَانَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقًا بِمَا ظَنَّهُ الْعَبْدُ عَلَى وَفْقِ مَا ظَنَّهُ الْعَبْدُ أَوْ عَلَى خِلَافِهِ، الْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ.

وَعِنْدَ ذَلِكَ، فَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ لِلْمُكَلَّفِينَ فِي الْقِيَاسِ، وَأَنَّهُ مُضِرٌّ فِي حَقِّهِمْ عَلَى خِلَافِ مَظْنُونِ الْعَبْدِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ الْعَقْلُ مُوجِبًا لِلْقِيَاسِ.

وَإِنْ سَلَّمْنَا إِيجَابَ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَكِنْ إِذَا أَمْكَنَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِطَرِيقٍ غَيْرِ الْقِيَاسِ أَوْ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا إِمْكَانَ ذَلِكَ فِي دَفْعِ الشُّبْهَةِ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَعَنِ الثَّالِثَةِ: أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى كَوْنِ الْعَقْلِ مُوجِبًا، وَعَلَى وُجُوبِ رِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ سِوَى الْقِيَاسِ، وَعَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالِمٌ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي الْقِيَاسِ كَمَا ظَنَّهُ الْعَبْدُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ قَدْ لَا يَكُونُ طَرِيقُ إِثْبَاتِهَا الْمُنَاسِبَةَ كَمَا سَبَقَ تَعْرِيفُهُ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَا طَرِيقَ سِوَى الْمُنَاسَبَةِ، وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا إِلَّا بِالْعَقْلِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ التَّعَبُّدِ بِهَا عَقْلًا.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ (١) الْعَقْلِيَّيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.

وَبِتَقْدِيرِ تَحَقُّقِ ذَلِكَ، فَالْعَقْلُ إِنَّمَا يَقْضِي بِمُلَازَمَةِ مَعْلُولِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لَهَا، لِكَوْنِهَا مُقْتَضِيَةً لِمَعْلُولِهَا بِذَاتِهَا، وَلَا كَذَلِكَ الْعِلَلُ الشَّرْعِيَّةُ فَإِنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ عِلَلًا بِمَعْنَى الْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ (٢) .


(١) مَبْنِيٌّ عَلَى الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ - فِيهِ سَقْطٌ وَالْأَصْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ.
(٢) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عِلَلًا بِمَعْنَى الْمَقْصُودِ الْمُنَاسِبِ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ عِلَلًا بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لِلْحُكْمِ لَا بِذَاتِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>