للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَاتِمَةٌ لِهَذَا الْبَابِ

الْقِيَاسُ مَأْمُورٌ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ إِلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ.

وَالْوَاجِبُ مِنْهُ مُنْقَسِمٌ إِلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ نَازِلَةٌ مِنَ الْقُضَاةِ وَالْمُجْتَهِدِينَ، وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهَا مَقَامَهُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ.

وَإِلَى مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ يَقُومُ مَقَامَ غَيْرِهِ فِي تَعْرِيفِ حُكْمِ مَا حَدَثَ مِنَ الْوَاقِعَةِ بِالْقِيَاسِ.

وَأَمَّا الْمَنْدُوبُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِيمَا يَجُوزُ حُدُوثُهُ مِنَ الْوَقَائِعِ وَلَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يَنْدُبُ إِلَيْهِ لِيَكُونَ حُكْمُهُ مُعَدًّا لِوَقْتِ الْحَاجَةِ، وَهَلْ يُوصَفُ الْقِيَاسُ بِكَوْنِهِ دِينًا لِلَّهِ تَعَالَى؟ فَذَلِكَ مِمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ مُطْلَقًا، وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو الْهُذَيْلِ، وَفَصَلَ الْجُبَّائِيُّ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ مِنْهُ، فَوَصَفَ الْوَاجِبَ بِذَلِكَ دُونَ الْمَنْدُوبِ.

وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ عُنِيَ بِالدِّينِ مَا كَانَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْمَقْصُودَةِ بِحُكْمِ الْأَصَالَةِ كَوُجُوبِ الْفِعْلِ وَحُرْمَتِهِ وَنَحْوِهِ، فَالْقِيَاسُ وَاعْتِبَارُهُ لَيْسَ بِدِينٍ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ.

وَإِنْ عُنِيَ بِالدِّينِ مَا تَعَبَّدْنَا بِهِ كَانَ مَقْصُودًا أَصْلِيًّا أَوْ تَابِعًا، فَالْقِيَاسُ مِنَ الدِّينِ لِأَنَّا مُتَعَبِّدُونَ بِهِ عَلَى مَا سَبَقَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ لَفْظِيَّةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>