للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَا ذَكَرْتُهُ مِنَ الْقِيَاسِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي بِنَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَا لِفَسَادٍ فِي وَضْعِ الْقِيَاسِ وَتَرْكِيبِهِ. (١) فَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ مَعَ النَّصِّ الْمُخَالِفِ لَهُ.

وَقَدْ مَثَّلَ ذَلِكَ أَيْضًا (٢) بِقِيَاسِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي صِحَّةِ الطَّهَارَةِ، وَقِيَاسِ الصَّبِيِّ عَلَى الْبَالِغِ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ مِنْ جِهَةِ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ كُلُّ قِيَاسٍ ظَهَرَ الْفَارِقُ فِيهِ بَيْنِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ.

وَأَقْرَبُ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ إِنَّمَا هُوَ الْمِثَالُ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّهُ مَهْمَا ثَبَتَ أَنَّ الْقِيَاسَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ كَانَ بَاطِلًا لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ (٣) .

وَأَمَّا بَاقِي الْأَمْثِلَةِ فَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إِلَى إِبْدَاءِ الْفِرَقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، وَهُوَ سُؤَالٌ آخَرُ غَيْرُ سُؤَالِ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ.

وَجَوَابُهُ إِمَّا بِالطَّعْنِ فِي سَنَدِ النَّصِّ إِنْ أَمْكَنَ أَوْ بِمَنْعِ الظُّهُورِ أَوِ التَّأْوِيلِ أَوِ الْقَوْلِ بِالْمُوجَبِ أَوِ الْمُعَارَضَةِ بِنَصٍّ آخَرَ لِيَسْلَمَ لَهُ الْقِيَاسُ، أَوْ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْقِيَاسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَجِبُ تَرْجِيحُهُ عَلَى النَّصِّ الْمُعَارِضِ لَهُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ الْمُسَاعِدَةِ لَهُ.


(١) وَذَلِكَ كَمَا إِذَا كَانَ الْقِيَاسُ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَكَذَلِكَ إِذَا خَالَفَ الْقِيَاسُ إِجْمَاعًا وَقَدْ مَثَّلُوا لِمَا خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ بِقِيَاسِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ أَدَاءً عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ قَضَاءً فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا صَوْمٌ مَفْرُوضٌ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
وَمَثَّلُوا لِمَا خَالَفَ السُّنَّةَ بِقِيَاسِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْمُخْتَلِطَاتِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهَا لَا يَصِحُّ قَرْضُهُ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ اقْتِرَاضِ الرَّسُولِ بَكْرًا وَقَضَائِهِ رُبَاعِيًّا، وَمَثَّلُوا لِمَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ بِقِيَاسِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُغَسِّلَهَا كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَ الْأَجْنَبِيَّةَ، فَهَذَا قِيَاسٌ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ عَلِيًّا غَسَّلَ فَاطِمَةَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ.
(٢) هَذَا يَدُلُّ عَلَى سَابِقِ مِثَالٍ لَكِنَّهُ سَقَطَ مِنَ النُّسْخَةِ الْمَخْطُوطَةِ وَالنُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ مَا ذَكَرْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي خَالَفَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ.
(٣) لِمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ انْظُرِ الْمَسْأَلَةَ التَّاسِعَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِي رَدِّ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>