للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجدتَ صفة مشتركة بينك وبين الله كأنْ يكونَ لله تعالى وجه ويد، ولكَ وجه ويد، فإياك أنْ تنزل بالمستوى الأعلى فتقول: وجهه كوجهي، أو يده كيدي، لأن لك وجوداً ولله تعالى وجود، فهل وجودك كوجود الله؟

وجودك مسبوق بعدم ويلحقه العدم، ووجوده تعالى لم يُسبَق بعدم ولا يلحقه العدم، فعليك إذن أن تقول في مثل هذه المسائل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: ١١] .

والمتتبع لمادة (سَبَّح) في القرآن الكريم يجد أنها جاءت بكل الصِّيَغ:

الماضي: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} [الحديد: ١] .

والمضارع: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} [الجمعة: ١] .

والأمر في: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} [الأعلى: ١] .

فما دام الكون كله سبَّح لله، ولم ينقطع عن تسبيحه، بل ما زال مُسبِّحاً، فلما خلق الخلق أمرهم بالتسبيح؛ لأنهم جزء من منظومة الكون المسبّح، وعليهم أنْ ينتظموا معه، ولا يكونوا نشازاً في كون الله.

أما المصدر (سبحان) فقد جاء ليدل على التنزيه المطلق لله تعالى، حتى قبل أن يخلق الخَلْق، التنزيه ثابت له تعالى قبل أنْ يخلق مَنْ يُنزِّهه كما في قوله تعالى:

{سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء: ١] .

لأن المسألة عجيبة وفوق إدراك العقل، فقد جاء بالمصدر (سبحان) الدالّ على التنزيه المطلَق لله، كأنه تعالى يُحذّر الذين

<<  <  ج: ص:  >  >>