للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى {في آيَاتِنَا} [الحج: ٥١] والآيات إما كونية، كالشمس والقمر، وإما معجزات، وإما آيات الأحكام، وسَعَوْا فيها يعني: قالوا فيها قِوْلاً باطلاً غير الحق، كما يسعى الواشي بالباطل بين الناس، فهؤلاء إنْ نظروا في آيات الكون قالوا: من صنع الطبيعة.

وإنْ شاهدوا معجزة على يد نبيٍّ قالوا: سحر وأساطير الأولين، وإنْ سمعوا آيات الأحكام تُتْلى قالوا: شعر. وهم بذلك كله يريدون أنْ يُفسِدوا على أهل الإيمان إيمانهم، ويصدُّوا عن سبيل الله.

ومعنى {مُعَاجِزِينَ} [الحج: ٥١] جمع لاسم الفاعل معاجز مثل: مقاتل، وهي من عَاجَزَ غير عجز عن كذا يعني: لم يقدر عليه، عَاجَزَ فلانٌ فلاناً يعني باراه أيُّهما يعجز قبل الآخر، فعاجزه مثل باراه ليثبتَ أنه الأفضل، ومثل: سابقه ونافسه.

إذن: فالمعاجزة مفاعلة ومشاركة، وكلمة نافسه الأصل فيها من النفَس الذي نأخذه في الشهيق، ونُخرِجه في الزفير، والذي به يتأكسد الدم، وتستمر حركة الإنسان، فإن امتنع التنفس يموت؛ لأن الإنسان يصبر على الطعام ويصبر على الماء، لكنه لا يصبر على الهواء ولو لنفَس واحد.

وقد حدثتْ هذه المعاجزة أو المنافسة بين سيدنا عمر وسيدنا العباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: قال عمر للعباس: أتُنافسني في الماء، يعني: نغطس تحت الماء وننظر أيهما يُعجِز الآخر، ويتحمل عملية توقُّف النفَس، ومثل هذه المنافسة قد يحتال عليها الإنسان إنْ كتم نفسَه وهو في جَوِّ الهواء، أما إنْ نزل تحت الماء حيث ينعدم الهواء، فكيف سيحتال على هذه المسألة؟ وتحت الماء لا يكون إلا الهواء الذاتي الذي اختزنه كل منهما في رئته، ومثل هذه المنافسة أيهما أفسح

<<  <  ج: ص:  >  >>