للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونقول في هذه المسألة: لم يأمر لوط قومه بعبادة الله؛ لأنه كان من شيعة إبراهيم عليه السلام ومؤمناً بديانته، بدليل قوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ... } [العنكبوت: ٢٦] فهو تابع له؛ لذلك ينفذ التعاليم التي جاء بها إبراهيم، فلم يأمر بالعبادة لأن إبراهيم أمر القوم بها، لكنه تحمَّل مسألة أخرى، وخصَّه الله بمهمة جديدة، هي إخراج قومه من ممارسة الفاحشة التي انتشرت بينهم.

وقوله تعالى: {وارجوا اليوم الأخر ... } [العنكبوت: ٣٦] فلا بُدَّ أن اليوم الآخر لم يكُنْ في بالهم، ولم يحسبوا له حساباً، كأنهم سيفلتون من الله، ولن يرجعوا إليه؛ لذلك يُذكِّرهم بهذا اليوم، ويحثُّهم على العمل من أجله.

وكيف لا نعمل حساباً لليوم الآخر؟ ونحن في الدنيا نعامل أنفسنا بنفس منطق اليوم الآخر؟ فأنت مثلاً تتعب وتشقى في زراعة الأرض، وتتحمل مشاق الحرْث والبَذْر والسقي. . إلخ طوال العام، لكن حين تجمع زرعك يوم الحصاد، ويوم تملأ به مخازنك تنسى أيام التعب والمشقة، وساعتها يندم الكسول الذي قعد عن العمل والسعي، يوم الحصاد سترى أن أردب القمح الذي أخذتَه من المخزن وظننتَ أنه نقص من حسابك قد عاد إليك عشرة أرادبّ، فأخْذُك لم يقلل إنما زاد.

وكذلك اليوم الآخر نفهمه بهذا المنطق، فنتحمل مشاقّ العبادة والطاعات في الدنيا لننال النعيم الباقي في الآخرة؛ لأن نعيم الدنيا مهما كان، يُنغصه عليك أمران: إما أنْ تفوته أنت بالموت، أو يفوتك هو بالفقر.

أما في الآخرة فلا يفوتك نعيمها ولا تفوته. إذن: فالأَوْلى بك أنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>