للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومهانة، حيث يأخذ السيد خير عبده، أمّا العبودية لله فهي قمة العزِّ كله، وفيها يأخذ العبد غير سيده؛ لذلك امتنّ الله تعالى على رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بهذه العبودية في قوله سبحانه: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ... } [الإسراء: ١] .

وكلمة {فَسُبْحَانَ الله ... } [الروم: ١٧] هي في ذاتها عبادة وتسبيح لله تعني: أُنزِّه الله عن أنْ يكون مثله شيء؛ لذلك يقول أهل المعرفة: كل ما يخطر ببالك فالله غير ذلك؛ لأنه سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... } [الشورى: ١١] .

فالله سبحانه مُنزَّه في ذاته، مُنزَّه في صفاته، مُنزَّه في أفعاله، فإنْ وجدنا صفة مشتركة بين الخَلْق والخالق سبحانه نفهمها في إطار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ... } [الشورى: ١١] .

وقلنا: إنك لو استقرأت مادة سبح ومشتقاتها في كتاب الله تجد في أول الإسراء: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ ... }

[الإسراء: ١] وفي أول سورة الحديد: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض ... } [الحديد: ١] ثم {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ... } [الجمعة: ١] .

فكأن الله تعالى مُسبَّح أزلاً قبل أنْ يخلق مَنْ يُسبِّحه، فالتسبيح ثابت لله أولاً، وبعد ذلك سبَّحَتْ له السماوات والأرض، ولم ينقطع تسبيحها، إنما ما زالت مُسبِّحة لله.

فإذا كان التسبيح ثابتاً لله تعالى قبل أنْ يخلق مَنْ يُسبِّحه، وحين خلق السماوات والأرض سبَّحتْ له السماوات والأرض وما زالت، فعليك أنت أيها الإنسان ألاَّ تشذَّ عن هذه القاعدة، وألاَّ تتخلف عن هذه المنظومة الكونية، وأن تكون أنت كذلك مُسبِّحاً؛ لذلك جاء في القرآن: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى} [الأعلى: ١] .

<<  <  ج: ص:  >  >>