للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وربنا سبحانه حينما يخلقنا هذا الخَلْق يريد مِنَّا أنْ نستعمل هذه الصفات التي وهبها لنا، كما يستعملها هو سبحانه، فالله تعالى بقدرته خلق لنا ما ينفعنا، فعليك أنت بما وهبك الله من القدرة أنْ تعمل ما ينفع، والله بحكمته رتَّبَ الأشياء، فعليك بما لديْك من حكمة أنْ تُرتَّب الأِشياء. . وهكذا.

ونشير إلى أن القدرة تختلف، فقدرة تفعل لك، وقدرة عُلْيا تجعلك تفعل بنفسك، هَبْ أنك قابلتَ رجلاً ضعيفاً لا يَقْوَى على حَمْل متاعه مثلاً، فتحمله أنت له، فأنت إذن عدَّيْتَ إليه أثرَ قوتك، إنما ظلَّ هو ضعيفاً.

أما الحق - تبارك وتعالى - فلا يُعدِّي أثر قوته إلى عبده فحسب، إنما يُعدِّي له القدرة ذاتها، فيُقوِّي الضعيف؛ فيحمل متاعه بنفسه.

إذن: أعظم تكريم للإنسان أنْ يقول الخالق سبحانه: إنني خلقتُه بيدي في قوله سبحانه لإبليس: {قَالَ ياإبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... }

[ص: ٧٥] .

ثم لك أيها الإنسان بعد هذا التكريم أنْ تكون كريماً على نفسك كما كرَّمك الله، ولك أنْ تنزل بها إلى الحضيض، فنفسك حيث تجعلها أنت.

يقول تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ... } [التين: ٤ - ٥] فانظر لنفسك منزلة من المنزلتين.

وكلمة {مِّن تُرَابٍ ... } [الروم: ٢٠] أي: الأصل الذي خُلِق منه آدم، والتراب مع الماء يصير طيناً، فإنْ تعطَّن وتغيَّرَتْ رائحته فهو حمأ

<<  <  ج: ص:  >  >>