للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل هذا ما قالوه للنبي:» قالوا راعنا «وهي من المراعاة، لكنهم كانوا يأخذونها من الرعونة، فيأتي الأمر: اترك الكلمة التي تحتمل المعنيين. واقطع الطريق على الكلمة التي تحتمل التوجهين؛ لأن المتكلم، قد يريد بها خيراً وقد يريد بها شرّاً، فمعنى تحريف الكلام أي أن الكلام يحتمل كذا ويحتمل كذا.

والمثال على ذلك: الرجل الذي ذهب لخياط ليخيط له قَباء - وكان الخياط كريم العين - أي له عين واحدة - فلم يُعجب الرجُل بِخياطة القَباء فقال: والله ما دمتُ أفتضح بهذا الثوب الذي خاطه لي أمام الناس فلا بد أن أقول فيه شعراً يفضحه في الناس، فقال:

خاط لي عمرو قَباء ... ليت عينيه سواء

فقوله: ليت عينيه سواء يظهر ماذا؟ . هل يا ترى يتمنى له أن تكون عينه المريضة مثل السليمة؟ أو يتمنى أن تكون العين السليمة مثل المريضة؟ إذن فالكلام يحتمل الخير والشر، ومثلما حكوا لنا أن واحداً من الولاة طلب من الخطيب أن يسب سيدنا عليّاً - كرم الله وجهه وآله - وأن يلعنهم على المنبر.

فقال الخطيب: اعفني.

فقال الوالي: لا، عزمت عليك إلاَّ فعلت.

فقال له الخطيب: إن كنت عزمت على إلاّ فعلتُ، فسأصعد المنبر وأقول: طلب مني فلان أن أسب عليّاً فقولوا معي يلعنه الله.

فقال له: لا تقل شيئاً. فقد فهم الوالي مقصد الخطيب وقدرته على استعمال الكلام على معنيين.

والحق يقول: {مِّنَ الذين هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ} . وأريد أن تنتبهوا إلى أن أسلوب القرآن يأتي في بعض المواقع بألفاظ واحدة، ولكنه يعدل عن عبارة

<<  <  ج: ص:  >  >>