للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد بدأ سبحانه السورة بمنطقة الاختيار في الإنسان التي خلقها الله لينشأ عنها التكليف. وأوضح بعد ذلك أن للاختيار أمداً محدداً سينتهي، ويجمع الله الناس يوم ينفع الصادقين صدقهم ويكون الأمر كله لله.

ويختم الحق السورة بقوله سبحانه: {للَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض} أي أنه سبحانه يملك الكون كله، والكون - كما نعلم - مكون من أجناس متعددة. وأول جنس في الكون هو الخادم الذي لا يُخْدَم هو الجماد، والجماد قد يكون ماءً أو جبالاً أو حديداً، أو شمساً، أو قمراً، أو نجوماً، كل هذه جمادات، أي ليس لها حس. وهذه الجمادات تخدم أول ما تخدم النبات. والنبات يخدم الحيوان، والحيوان يخدم الإنسان.

هكذا يكون الجماد خادماً لكل ما يعلوه من نبات وحيوان وإنسان. النبات يخدم الحيوان والإنسان.

والحيوان يخدم الإنسان. وكل هذه الأشياء التي تخدم الإنسان لا اختيار لها وكلها مقهورة لخدمة الإنسان؛ فالشمس لم تغضب يوماً على البشر فلم تمدهم بحرارتها ولا المطية تأبت على صاحبها.

والإنسان فيه قسمان: قسم مقهور للحق فلا يستطيع الإنسان أن يتحكم فيه أو يسيطر عليه مثل المرض أو الموت وهو في ذلك يشترك مع الحيوان والنبات والجماد، وقسم يكون الإنسان فيه مختاراً وهو تطبيق المنهج.

إننا إذا نظرنا إلى الجانب الذي قهر فيه الحق الإنسان نجده لمصلحة الإنسان. فالإنسان لا يختار أن يتنفس ولا أن يسري الدم في عروقه ولا أن تعمل كليتاه. إنه مقهور في كل ذلك. ومن رحمة الله بالخلق أن جعلهم مسيّرين ومقهورين في هذه النواحي، فلم يجعل تنفس أحد بيد صاحبه ولا جعل القلب يعمل بإرادة الإنسان. والإنسان - إذن - يُخير في مسائل التكليف فقط. وكأن الحق يذكر الإنسان أن منطقة الاختيار هي عقد بين المؤمن وربه؛ لأن الاختيار سيسلب من العباد يوم القيامة، ويكون كل العباد مقهورين ويصير الكائن البشري مثل الجماد والنبات والحيوان. ولذلك يقول الحق سبحانه: {للَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: ١٢٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>