للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجيب بالنفي، وهذا ما يحدث بين البشر، لكن حين يكون الاستفهام من الله، ويكون الحادث المستفهَم عنه قد حدث من قبل وجود المستفهم منه، فالإيمان يقتضي أن يجيب المستفهم منه عن هذا الحادث ب «نعم» .

ومثال ذلك قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل} [الفيل: ١] .

وهذا خطاب من الله لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عنا حدث لأصحاب الفيل في عام ولادته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ولم يكن الحدث موضع رؤية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. ولقائل أن يقول: كيف يخاطب الله ورسوله باستفهام عن حادث لم يره؟ ونقول: إن الحق بهذا الاستفهام يوضح لرسوله: اسمع مني، وسماعك مني فوق رؤية عينيك للحدث، فإذا ما قلت لك: «ألم تر» فمعناها: اعلم علماً يقينياً، وهذا العلم اليقيني يجب أن تثق في صدقه كأنك رأيته رؤية العين وفوق ذلك أيضاً فإن عينك قد تخدعك أو تكذب عليك، ولكن حين يخبرك ربك لا يخدعك ولا يكذب عليك أبداً.

إذن فالحق يريد أن يخرج هذه الأساليب مخرج اليقين.

وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - فحين يحاول إنسان قد أحسنت إليه كثيراً أن يجحد إحسانك، فأنت لا تقول له: أنا أحسنت إليك، ولكنك تقول له: أرأيت ما فعلته معك يوم كذا، ويوم كذا؟ وهنا يبدو كلامك كاستفهام منك، لأنك واثق أنه حين يدير رأسه في الجواب فلم يجد إلا ما يؤيد منطقك من وقوفك إلى جانبه، وإحسانك إليه، ولن يجد إلا أن يقول لك: نعم رأيت أنك وقفت بجانبي في كل المواقف التي تذكرها. وفي مثل هذا القول إلزام لا من موقع المتكلم، ولكن من واقع المخاطب.

وبعد أن تكلم الحق عن تعنت الكافرين أمام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وعدم اكتفائهم بالآيات التي أنزلها الله مؤيدة لصدق رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ثم تماديهم في اقتراح آيات من عندهم، وقد اقترحوها في شيء من الصفاقة والسماجة، فقالوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>