للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى العبادة طاعة الأمر، والكف عن المنهي عنه، والمأمور صالح أن يفعل وألا يفعل، فالعبادة - إذن - تستدعي وجود طائع ووجود عاصٍ، وأضرب هذا المثل ولله المثل الأعلى ومنزه سبحانه وتعالى: يأتي لك من يروي لمحة من سيرة إنسان ويقول لك: لماذا يقف منك هذا الموقف العدائي، أليس هو الذي أخذته معك لتوظفه؟ فترد عليه: «زرعته ليقلعني» . هل كان وقت مجيئك به كنت تريده أن يقلعك؟ لا. ولكن النتيجة والنهاية صارت هكذا.

والحق سبحانه لم يخلق البشر من أجل الجنة أو النار، لكنه عَزَّ وَجَلَّ خلقهم ليعبدوه، فمنهم من آمن وأصلح فدخل الجنة، ومنهم من عصى فدخل النار وهذا اسمه «لام العاقبة» ، أي ما صار إليه غير مرادك منه، ومثال ذلك حينما قال الله سبحانه لأم موسى: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليم وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تحزني إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً ... }

[القصص: ٧ - ٨]

هل التقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً؟ لا، لأن زوجة فرعون قالت: {قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا ... } [القصص: ٩]

فقد كانت علة الالتقاط - إذن - هي أن يكون قرة عين، لكنه صار عدواً في النهاية، وهذا اسمه - كما قلت - لام العاقبة.

وهكذا لا تكون علة الخلق أن يدخل كثير من الجن والإنس النار، في قوله الحق: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجن والإنس}

لأن علة الخلق في الأصل هي العبادة، والعبادة تقتضي طائعاً وعاصياً، فالذي يطيع يدخل الجنة، والذي يعصي يدخل النار، ولله المثل الأعلى، أذكركم بالمثل الذي

<<  <  ج: ص:  >  >>