للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكافر حين يتمكَّن الكفر منه ويُغلق عليه قلبه يساعده الله على ما يريد، ويزيده مما يحب، كما قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضاً. .} [البقرة: ١٠]

إذن: فقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً. .} [الإسراء: ٤٦] لم تَأْتِ من الله ابتداءً، بل لما أحبُّوا هم الكفر، وقالوا عن أنفسهم: قلوبنا في أكنة، فأجابهم الله إلى ما أرادوا وختم على قلوبهم ليزدادوا كفراً، وطالما أنهم يحبونه فَلْنُزدهم منه.

ثم يقول تعالى: {أَن يَفْقَهُوهُ. .} [الإسراء: ٤٦]

أي: كراهية أنْ يفقهوه؛ لأن الله تعالى لا يريد منهم أن يفهموا القرآن رَغْماً عنهم، بل برضاهم وعن طيب خاطر منهم بالإقناع وبالحجة، فالله لا يريد منا قوالبَ تخضع، بل يريد قلوباً تخشع، وإلا لو أرادنا قوالبَ لما استطاع أحد منا أنْ يشذَّ عن أمره، أو يمنع نفسه من الله تعالى، فالجميع خاضع لأمره وتحت مشيئته.

وفي سورة الشعراء يقول الحق تبارك وتعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: ٣ - ٤]

فالأعناق هي الخاضعة وليست القلوب؛ لأنك تستطيع أن تقهر قالب خصمك فتجبره على فعل أو قول، لكنك لا تستطيع أبداً أن تجبر قلبه وتكرهه على حبك، إذن: فالله تعالى يريد القلوب، يريدها طائعة محبة مختارة، أما هؤلاء فقد اختاروا الأكِنّة على قلوبهم، وأحبُّوها وانشرحت صدورهم بالكفر، فزادهم الله منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>